‘جامع الكتب’: عندما تشكّل الصفحات ملامح إنسان

أحمد فضل شبلول
بورتريه “جامع الكتب” للفنان الإيطالي غوزيبي أرشيمبولدو (1527–1593) عبارة عن كومة من الكتب رُتّبت بطريقة معيّنة بحيث تؤلّف في النهاية شكل وملامح إنسان. فالقبّعة مرسومة على شكل كتاب مفتوح، والرأس عبارة عن مجموعة من الكتب الموضوعة فوق بعضها أفقيًا، والأنف هو الآخر يأخذ هيئة كتاب، بينما اللحية رُسمت على شكل مكنسة الريش التي تُستخدم عادة في نفض الغبار عن الكتب. أما الذراع فقد تحوّل إلى كتاب كبير أبيض، والأصابع إلى علامات للكتاب.
رسم الفنان الإيطالي غوزيبي أرشيمبولدو هذا البورتريه عام 1566 أثناء عمله كرسّام في بلاط الإمبراطور ماكسيميليان الثاني (1527–1576)، وهو ملك بوهيميا منذ عام 1562، وملك المجر وكرواتيا منذ عام 1563، وإمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة.
وقد أعجب الإمبراطور كثيرًا بهذه الصورة وعلّقها في قصره، ثم استعارها منه ابنه رودولف الذي قام بعرضها، مع غيرها من أعمال الرسّام، في قصرهم في براغ. وفيما بعد، انتقلت اللوحة إلى ملكية أبنائهم وأحفادهم.
هناك من ينظر إلى هذه اللوحة باعتبارها رسمًا كاريكاتيريًّا يسخر من المثقفين وجامعي الكتب الذين يُسرفون في شراء الكتب واقتنائها، ليس لقراءتها، وإنما من أجل المباهاة والتفاخر بها. وهناك من يرى أن الرسّام ربما كان يلمّح من خلال الصورة إلى الازدهار الكبير الذي شهده عصر النهضة في مجال تأليف ونشر الكتب.
تؤكد موسوعة “المعرفة” أن أرشيمبولدو كان أحد أكثر رسّامي عصر النهضة أصالة وابتكارًا، بل يُقال إنه أوّل من ابتدع الرسم التكعيبي، وحدث هذا قبل أكثر من ثلاثة قرون من ظهور بيكاسو والحركة التكعيبية.
وقد أحبّه السورياليون وأعجبوا بصوره الفانتازية وأشكاله الهندسية وبمهارته الفائقة في التوليف، بينما رأى فيه آخرون فنانًا رمزيًّا يمكن اعتبار أعماله امتدادًا للأفكار الإنسانية التي راجت في نهايات عصر النهضة الإيطالي.
اشتهر أرشيمبولدو ببورتريهاته عن الفصول الأربعة، التي صوّر كلًّا منها على هيئة إنسان تتشكّل ملامحه من الفواكه والخضار التي تقترن بكلّ فصل من فصول السنة. غير أن أشهر لوحاته وأكثرها شعبية هي بورتريه “جامع الكتب”، الذي رسمه لمؤرّخ وطبيب نمساوي يُدعى وولفغانغ لاتزيوس.
كان لاتزيوس عالمًا مشهورًا، ويقال إنه بلغ من حبّه للكتب أنه كان يستطيع الحصول على أيّ كتاب أو وثيقة أو مخطوط يريده بأيّ ثمن وبأيّ طريقة.
وإذا استعرضنا أعمال الفنان الإيطالي، سنجد أن هذا البورتريه عن لاتزيوس هو الوحيد من بين بورتريهاته الذي يخلو من عناصر الطبيعة.
في العام 1648، تعرّضت الكثير من لوحات أرشيمبولدو للدمار إثر غزو الجيش السويدي لـبراغ، لكن هذه اللوحة نجت من التلف عندما استولى عليها السويديون كغنيمة حرب، ولا تزال اللوحة موجودة إلى اليوم في المتحف الوطني في استوكهولم.
يُذكر أن غوزيبي أرشيمبولدو كان رسامًا إيطاليًا من أتباع المدرسة الأسلوبية، حيث كانت تركيباته الغريبة من الفواكه والخضروات والحيوانات والكتب وغيرها من الأشياء مرتبة بحيث تشبه صور البشر. وفي القرن العشرين، كانت هذه الصور المزدوجة موضع إعجاب كبير من قبل سلفادور دالي وغيره من الرسامين السرياليين.
وقد كُلِّف الفنان بتصميم نوافذ الزجاج المعشَّق لإحدى الكاتدرائيات في إيطاليا، بدءًا من عام 1549، بما في ذلك رسم قصص القديسة كاترين من الإسكندرية في الكاتدرائية. وفي عام 1556، عمل مع الفنان غوزيبي ميدا على اللوحات الجدارية لكاتدرائية مونزا، وفي عام 1558، رسم كاريكاتيرًا لنسيج كبير لرقاد السيدة العذراء مريم، والذي لا يزال معلقًا في كاتدرائية كومو بإيطاليا حتى اليوم.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة