سلام مكي
في الوقت الذي يجتهد صناع الدراما والفن الرصين الى تقديم كل ما هو يخدم الفرد والمجتمع ويساهم في رفع مناسيب الوعي الجمعي، عبر بث الأفكار الهادفة والأعمال التي تسعى جاهدة للكشف عن مشاكل المجتمع ومن ثم حلها بالوسائل الصحيحة، تنبري جهات مدعومة من حكومات ومنظمات لإنتاج مسلسلات تاريخية تتحدث عن فترات حرجة ومهمة في التاريخ الاسلامي والتي شكلت حدثا تاريخيا استثنائيا، لازالت آثاره الفكرية والسياسية لغاية اليوم. إن إنفاق الأموال الطائلة على مسلسلات تتحدث عن شخصيات جدلية في التاريخ الإسلامي، وتتناول قضايا مختلف عليها بين الطوائف الاسلامية، يعد تعديا واضحا وصريحا للحدود المسموح بها وتجاوزا لقيم المساواة والتسامح الذي ينادي به الجميع. لقد تحولت المسلسلات الدينية أو التاريخية الى ميدان لتصفية الحسابات بين الطوائف، حيث تسعى لجهة ممولة من دولة أو منظمة الى إنتاج مسلسل عن شخصية تاريخية تعد العدو الأول للطائفة الأخرى، في صورة من صور التعدي على مشاعر الآخرين والنيل من مقدساتهم ورموزهم التاريخية، ولعل الطرف الآخر لن يكتفي بالسكوت، بل سيلجأ الى عد هذا حربا عليه، فيبادر الى المحاربة بنفس السلاح الذي حورب به، فيلجأ الى إنتاج مسلسلات تنال من رموز الطرف الآخر، وتمجد بهم، رغم ما يعلمونه من الكره والبغض لها من المقابل، لكنهم يسعون الى جعل تلك الأعمال وسائل ضغط أو للرد على ما يثار من إنتاج أعمال فنية.
ولعل الحديث هذه الأيام عن إنتاج مسلسل يتحدث عن بداية الحكم الأموي، ويتناول شخصية أول خليفة أموي، على شاشات قنوات أم بي سي، وما رافق الخبر من تداعيات وردود أفعال كثيرة على المسلسل، كقيام الأزهر بتحريم مشاهدة العمل، وتهديد جهات دينية وأفراد، بإنتاج مسلسل يتحدث عن شخصية محل جدل وخلاف، للرد على المسلسل الأول. هذه الأخبار للأسف، تشكل تحديا كبيرا للتآخي والتقارب المذهبي، إذ أنها تساهم بشكل كبير في تغذية الكراهية والتطرف، وتساهم بتأجيج الصراع المذهبي، وتعيد للذاكرة أحداثا يسعى الجميع لقبرها في زوايا النسيان والماضي.