واحدةً من أقدم المدن تجربة وعمقًا وتأليفًا..
علي لفتة سعيد*
تحتفي الأوساط الفنية والثقافية في مدينة كربلاء هذه الأيام بمناسبة مرور أكثر من 100 عام على بدء الحركة المسرحية التي تعد مزاملة لما كان في العاصمة بغداد، حيث تعد كربلاء واحدة من أقدم المدن التي تأسّس فيها المسرح في العهد العثماني وتحديدًا عام 1917 إلا أن البناء الحقيقي بدأ بعد ذلك بخمسة أعوام، حين بدأ أول عرض ينتمي الى المسرح وإن كان بسيطًا، ولكن هذه الذكرى التي تعيشها المدينة أصابها الكثير من الكدر لما يمرّ به المسرح العراقي بشكل عام من خمول في العروض المهمة على مستوى الإخراج والإنتاج بسبب الظروف العامة للبلد.
«يقول الباحث والمؤرشف المختص بالمسرح العراقي والكربلائي، عبد الرزاق عبد الكريم، إن المسرح في كربلاء يعد واحدًا من أقدم المسارح تجربة وعمقًا وتأليفًا، وقد بدأ فطريًا من قبل أشخاص تأثروا، وكان أوله ما كان يعرف بمسرح البقال باشا قبل أن يعرف أصول المسرح الذي جاء من الغرب»
مهد المسرح
يعد العراق مهد الحضارة ومهد المسرح، وهو ما يظهر جليًا في كلّ الحضارات التي مرّت سواء منها البابلية أو السومرية وما يليها، حتى أن الإسلام اهتم بالمسرح كونه واحدًا من أهم العلائق التي تربط الجمهور المتلقّي بما يمكن إيصاله من تعليمات. ويقول الباحث والمؤرشف المختص بالمسرح العراقي عمومًا والكربلائي بشكل خاص، عبد الرزاق عبد الكريم، إن المسرح في كربلاء يعد واحدًا من أقدم المسارح تجربة وعمقًا وتأليفًا، وقد بدأ فطريًا من قبل أشخاص تأثروا، وكان أوله ما كان يعرف بمسرح البقال باشا قبل أن يعرف أصول المسرح الذي جاء من الغرب، وذلك في الفترة العثمانية عام 1917. أما المسرح الحقيقي بعناصره الأولية فبدأ في المحافظة في ثلاثينيات القرن الماضي وكانت تقدم مسرحيات بسيطة وتوزّع الأدوار بطريقة آنية، وكان المكياج بدائيًا، وإن المسرحية كانت تقدّم في الأعراس وختمة القرآن والمواليد.. وكان المخرج، كما يقول عبد الرزاق، هو المؤلّف والمخرج والإضاءة والمكياج، وكان النصّ متحرّكًا بما يعرف الخروج على النصّ بطريقة عفوية، لأنه كتب بطريقة عفوية أقرب إلى الشفاهية.
المسرح السياسي والقرن الماضي
ويشير عبد الرزاق إلى أنه في أربعينيات القرن الماضي وبعد دخول الفرق البغدادية كفرق حقي الشبلي والعزاوي وغيرهما وهو ما يعني ظهور المسرح المدرسي في تلك الفترة، تحول المسرح الى مسرح سياسي ولكن بنصوص عربية.. أما في الخمسينيات فقد نضج المسرح سواء في الإخراج أو التأليف أو التقنيات فضلًا عن زيادة خبرة الممثلين فقدموا تجارب مسرحية لشكسبير وغيره، وكانت العروض قد أنتجت جيلًا يحب الفن وذهب إلى بغداد لدراسته أكاديميًا.. وفي عام 1965 شكل المسرح رؤية جديدة وظاهرة أخرى للمسرح الكربلائي من خلال الفنان نعمة أبو سبع والذي يعد واحدًا من أكثر رواد المسرح تأثيرًا وتأثرًا وإبداعًا في المسرح الكربلائي لتؤسس بعدها العديد من المؤسسات الفنية التي تصب في صالح الفن عمومًا والمسرح خصوصًا.. ويمضي المؤرخ في أرشفة المسرح مشيرًا إلى أنه في السبعينيات تأسّست أوّل فرقة مستقلة هي فرقة مسرح كربلاء الفني وقدمت 16 عملًا مسرحيًا في هموم الوطن والحياة وخرّجت العديد من الفنانين الذين أصبحوا فنانين على مستوى العراق، ثم تأسست فرقة مسرحية تابعة للمؤسسة العامة للسينما والمسرح عام 1978 والتي تم بعدها افتتاح فروع أخرى لها في أغلب المحافظات. وفي عام 1985 جمّد المسرح في كربلاء كما في المحافظات بسبب الحرب العراقية- الإيرانية.
الخراب المسرحي
الفنان المسرحي عباس شهاب قال، إن» الاحتفالية الآن لا تعني الانبهار بكل ما هو حاضر بل هو احتفاء بالماضي لأن الحاضر غير منتج لما كان عليه المسرح. والجميع يشعر بغصّة لما آلت إليه الأمور في الفن عمومًا والمسرح بشكل خاص. ويذكر في احتفائيته أن المسرح لم يقتصر على تنوّع واحد، بل كان هناك مسرح للمرأة والعمال وكانت هناك عوائل تقدّم بناتها للعمل في المسرح وكان العاملون يحرصون على حضور الأهل حتى إلى التمارين المسرحية لزيادة الاطمئنان.. وكان المسرح تناول العديد من القضايا الإنسانية وهموم البلاد وحتى بعد عام 2003 كانت هناك فرق تقدم العروض المسرحية لكنها لم تكن بما كانت عليه في السبعينيات مثلًا. وذكر أن الفنان كانت له رؤى للتطلّع إلى الأمام، كون المسرح يصنع الحياة ومن خلاله نبني مجتمعًا مثقفًا. وعدّ شهاب الفنانين بأنهم كانوا فدائيين وكان العامل في المسرح يبتعد حتى عن أهله ليواصل العمل أيامًا بهدف المشاركة في مسرحية.. ويقول: نحن بحاجة إلى إعادة النظر في موضوعة المسرح والفن عمومًا.. لأن ما يقدم الآن عبارة عن أفكار بسيطة وتقام مهرجانات لا ترتقي إلى مستوى المسرحيات الكبرى، معبّرًا عن أن المسرح سابقًا كان ملاذًا للعوائل وهو معوّض عن السينما وغيابها، بسبب موقع المدينة الديني.
- شاعر وناقد وصحفي عراقي