رند علي
يقول جبران خليل جبران ” طلبت الوحدة والانفراد لأني لم أحصل على شيء من يد بشري إلا بعد أن دفعت ثمنه من قلبي”.
أن الشعور بالوحدة وفقدان المشاعر العاطفية والوجدانية من اصعب المشاعر التي تمر على الإنسان ، والأسوء من هذا أن الشخص الوحيد قد يصادف أسوء الناس و يراهم ملائكة ! ويخلق لهم الأعذار ليبقى معهم ، مثل قصة الليلة الموعودة للكاتب محمد عبدالحليم عبدالله .
الليلة الموعودة هي قصة قصيرة لا تتجاوز الثلاثين صفحة تقع ضمن مجموعة قصصية للكاتب بعنوان ( الضفيرة السوداء) ، لكن ما دفعني للكتابة عنها هي الحيرة التي تتعرض لها ( بهية) بطلة الرواية وهي ارملة شارفت على الخمسين أم لولد عاق مات والده بسببه وابنتين ، تتغير حياة بهية بعد ان تزوج آخر بناتها لتجد نفسها وحيدة و لديها ( معاش) من الدولة إضافة إلى ( فدادين) ورثتها عن والدها ومبلغ لابأس به في البنك ، تشعر بهية أن رسالتها في الحياة اكتملت ولم يعد اولادها بحاجة الى حنانها، هم فقط بحاجة الى اموالها! دائما هي وحيدة في المنزل تخاف الظلام وحدها وتتخيل وقع اقدام زوجها المرحوم، لا يتذكرها اولادها الا عندما يحتاجون إلى أموالها، شعور الوحدة والاحتياج العاطفي يدفعها الى التفكير في الزواج بتأثير ( ام إمام ) صديقتها الخاطبة التي تقنعها بضرورة الزواج وان لا تبقى تحت رحمة اولادها الذين ينتظرونها تموت حتى يحصلون على ميراثهم منها .. تقتنع بهية بالفكرة بعد الإلحاح من ام إمام وبعد عدة مشاكل بينها وبين بناتها وابنها وتتعرف عن طريق ام إمام على (السيد أفندي المصري) وهو رجل أربعيني متزوج ولديه بنتان ، يقنعها السيد أنه اقدم على خطوة الزواج مرة أخرى لان زوجته مريضة ( مصابة بالشلل) وهو يحتاج الى زوجة تبادله الاهتمام والمحبة ويحتاج الى الاستقرار بعد ان قضى نصف عمره في خدمة زوجته المشلولة .. تتزوج بهية بالسيد افندي المصري وتعيش معه اجمل شهر عسل لكن قبل انتهاء الشهر يذهب السيد الى بيت زوجته الأولى واولاده بعد أن يتم تبليغه بسوء حالة زوجته الأولى ، واثناء غياب الزوج يأتي المستأجر فتضطر بهية ان تدفع له الإيجار من مالها الخاص. وتتوالى الأشهر وكل نهاية شهر تسوء حالة زوجة السيد افندي المصري الأولى فيذهب اليها وتدفع بهية الإيجار! إلى أن يقترح عليها في احد الأيام ان تشغل اموالها عند احد التجار الذين يعرفهم هو حق المعرفة وبعد ان تحجج بغيرته عليها يجبرها على ان تمنحه توكيل لإدارة اموالها ، وتمضي سنة وبهية لا تحصل على ( مليم واحد ) من اموالها.
وعندما بدأت تسأل زوجها عن اموالها بدأ يعاقبها بالغياب عن البيت لأيام طويلة وبهية تنتظر وحدها في شقة الزوجية لكن هذه المرة بدون أن تخاف من الظلام وبدون أن تفتح المصابيح ، الى أن جاء اليوم الذي كانت هي وزوجها في السوق وكان السيد قد دخل احدى الصيدليات وهناك تصادف احدى صديقاتها التي تعرفت عليها قبل ان تتزوج عندما كانت تذهب بنفسها لتأخذ معاشها فتقول لها الصديقة ( سمعت انك قد تزوجتي) فتؤكد بهية على كلامها وتشير لها على زوجها الذي كان داخل الصيدلية فتتعرف عليه الصديقة وتسارع لأخبار بهية حقيقة ان زوجها هذا ( صائد محترف للأرامل) الذين يملكون المال وان ما حصل مع بهيه قد حصل معها سابقاً ، وفي الصباح وبعد خروج السيد تخرج بهية وحدها لأول مرة منذ زواجها وتذهب إلى عنوان بيته القديم فتكتشف أن زوجته ليست مشلولة وأصغر منها سناً وتكتشف أنها وقعت ضحية مؤامرة نصب واحتيال من السيد وزوجته الأولى وأم إمام التي باعتها كما يباع لحم البقرة الحلوب اذا وقعت تحت السكين .. وتعود بهية حاملة خيباتها إلى شقتها القديمة التي سكنت فيها ابنتها بعد زواجها ( وانزوت المرأة في احدى الحجرات وقبل أن تقفل عليها بابها سألت ماذا ستفعلون بي؟
فقالت البنت في هدوء : ( وهل ترك الزمن شيئا يمكن أن يفعل معك حتى نفعله نحن ؟ استريحي أن التعب باد عليك ) ..
ضعفاء نحن البشر عندما يتعلق الأمر بحاجتنا العاطفية ، شعور بهية بانها مثلما يقول المثل ( ركنت على الرف ) و فقدان الدعم العاطفي والمعنوي من كل من حولها دفعها إلى الارتباط بأسوء البشر ، الرجل الذي تحجج بغيرته عليها ليسلب مالها ، الخوف من الوحدة أحياناً يجعلنا عرضة لمثل هؤلاء الناس والاستغلال قد لا يكون مالي فقط ، الاستغلال أنواع : مالي وعاطفي ونفسي ، مهما نتظاهر بالصلابة فنحن ضعفاء أمام من يشعرنا بأهميتنا ، قصة الليلة الموعودة قصة بسيطة في محتواها لكنها توضح لنا أننا أحياناً نهرب خائفين من شعور الوحدة باتجاه أشخاص اسوء بكثير منها .
تحولت هذه القصة الى فيلم سينمائي مع بعض التغييرات من بطولة أحمد زكي وكريمة مختار وسماح أنور.
ولد الأديب محمد عبدالحليم عبدالله، في 3 فبراير 1913، بقرية كفر بولين مركز كوم حمادة محافظة البحيرة، تخرج من مدرسة “دار العلوم العليا” عام 1937، وعمل بعد تخرجه محررًا بمجلة “مجمع اللغة العربية” حتى اصبح رئيسا لتحرير مجلة المجمع.
تميزت أعماله عن سائر الروائيين من جيله، وكان له العديد من الأعمال التي تحولت إلى أفلام سينمائية، مثل مسلسل لقيطة، ومسلسل شجرة اللبلاب، وللزمن بقية، وفيلم الليلة الموعودة وفيلم غصن الزيتون.
اشتهر عبدالله، بوصفه واحدًا من أفضل كُتاب الرواية المعاصرين، ونُشِرت أول قصة له وهو ما يزال طالبًا في عام 1933،واهتم، بالقضايا العامة وتأثرت أعماله بالأحداث السياسية والاجتماعية التي شهدتها مصر، وكانت أولى رواياته هي رواية «لقيطة» والتي كتبها عام ١٩٤٧، فيما كانت آخر أعماله رواية بعنوان «قصة لم تتم» عام ١٩٧٠، وقدم للمكتبة العربية نحو سبع وعشرين رواية ومجموعة قصصية.