-2-
حسن العاني
مع ان (الكناية) فرع من فروع البلاغة ، ولكنها ليست حكراً على فصيح اللغة، وربما كان نصيب (العامية) منها او وفر حظاً واكثر استعمالاً ، وقد بلغ من شيوعها انها تخطت (الفصحى والعامية ) الى تصرفات الانسان، فرحه او غضبه او حزنه ، والى حركات يده وعينه وحاجبه ، وجسمه .. لأن الكناية في أصلها نوع من الاشارة الذكية – عن طريق اللغة أو الحركة – لإيصال معلومة مابصورة غير مباشرة يفهمها المتلقي عبر دلالتها !!
موضوعة الحركات الصادرة عن العين او اليد او الاصبع او الجسد غنية بالمعلومات ، وقد نفرد لها حديثاً في قابل الايام اذا بقيت في العمر بقية ، ولذلك سأقصر الكلام على اللهجة العامية وكيف وظفت الكناية في الصغيرة والكبيرة من تعاملاتها اليومية ، والظريف ان الناس ( المتعلم والجاهل والامي) تستعمل الكناية في حواراتها وهي لاتعرف ذلك !!
لاحظوا معي كيف نقول عن فلان ( ابن شوارع ) كناية عن سوء تصرفاته ، وفلان ( ابن حمولة او ابن اوادم او ابن ناس) كناية تفيد المدح والثناء .. ونسمي فلاناً (ابن شيوخ) كناية عن كرمه ، وفلان (إبن سوك – سوق ) كناية عن معرفته وخبرته ، لأن السوق خبرة في التعامل الواسع مع المواطنين ومع البيع والشراء والتعاملات التجارية … اما فلان (أخو اخيته – اخته) فكناية عن الرجولة والشجاعة … وللتقليل من شأن الرجل وانه قول بلا فعل جاءت الكناية ( فلان بوخه) ، وفي الامثال الشعبية قالوا ( هزي رطب يانخله) كناية عن الذي يعيد ويكرر كلامه ، والكناية اوضح من ان تشرح في قولهم ( ودع البزون شحمه)!!
وكناية عن الزحام و الفوضى تقول الناس ( ماينعرف حماها من رجلها ) اما عبارة ( زلم ليل ) فكناية عن الرجال الشحبان ، في حين يقال للرجل الذي يمر في بحبوحة من العيش ، او ان اموره جيدة في هذا المجال او ذاك ( ايدك بالدهن) ، ولعل الكنايات في قولنا ( حط الله بين عيونك ) او ماذهب اليه كاظم الساهر ( سلمتك بيد الله ) ، واضحات الدلالة وضوح الكناية في بنفسج مظفر النواب (يللي جرت سما بعينك) ، ولعل اجمل مابلغنا من تراثيات الغناء العراقي ، على مايذكره صديقي الراحل ، الباحث شفيق مهدي ، هذا المقطع ( جلجل عليّ الرمان ) كناية عن الاحتلال العثماني ( نومي فزع لي) كناية عن الاحتلال البريطاني ، فأية كناية تناسب الاحتلال الاميركي ؟!