بينما احتفل كثر بأسماء الذين نالوا جائزة الشيخ زايد، باعتبار أنها تؤمن مبلغاً مادياً يعين الكتّاب على التفرغ للكتابة و”البحبوحة”، جاء الخبر من ألمانيا، إذ أعلن الفيلسوف وعالم الاجتماع الألماني البارز يورغن هابرماس، تراجعه عن قرار تسلم جائزة الشيخ زايد للكتاب، بسبب “النظام السياسي القائم هناك” في أبو ظبي بحسب ما نقلت وكالة “أسوشيتد برس”. وقال الفلسفي المخضرم البالغ من العمر 91 عاما في بيان سلمه ناشره إلى موقع Spiegel Online، الأحد: “سبق أن أعربت عن استعدادي لتسلم جائزة الشيخ زايد للكتاب هذا العام، وهذا كان قرارا خاطئا سأصلحه”. وأوضح هابرماس أنه لم يكتشف في البداية عن “الصلة الوثيقة بين المؤسسة التي توزع هذه الجوائز في أبوظبي والنظام السياسي القائم هناك”، وذلك بعدما أعلن موقع جائزة الشيخ زايد للكتاب اختيار هابرماس كـ”شخصية العام الثقافية”، تقديرا لـ”مسيرته الفكرية الحافلة التي تمتد لأكثر من نصف قرن”.
ونقلت بعض المصادر أن هابرماس أعاد النظر في قبول جائزة الشيخ زايد، وذلك بعد أن نشرت مجلة دير شبيغل الألمانية انتقاداً لقبوله الجائزة. وهو ثاني أجنبي شهير يرفض الجوائز من انظمة عربية، بعدما رفض الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو جائزة معمر القذافي قبل سنوات.
وسيثير رفض هابرماس الجائزة الإماراتية الكثير من الجدل والنقاش، خصوصاً بين الكتاب العرب أنفسهم، الذين بات جزء منهم يعيش هوس التقديم على الجوائز الدسمة مادياً… وهناك العشرات من الكتاب العرب تلقوا جوائز من الامارات ولا زالوا يكتبون ضد “ثقافة البترو دولار”.
وليست المرة الأولى التي تتلقى جائزة الشيخ زايد صدمة سلبية، فسبق أن مُنحت إلى كاتب تبين أن كتابه مقرصن بشكل فاضح من كتاب لأحد اعضاء لجنتها… وهي في موسمها الأخير تعرضت لانتقادات بسبب الاخطاء في بيانها الصحافي، حول أسماء بعض المترجمين… في المقابل أثنى كثر على منحها للكاتبة المصرية ايمان مرسال، ودار “الجديد” اللبنانية التي اغتيل مؤسسها لقمان سليم قبل أشهر.
وكانت مجلة دير شبيغل قد نشرت مقالا انتقدت فيه قبول هابرماس صاحب “نظرية الفعل التواصلي” والذي تعدت مؤلفاته الخمسين كتابا- جائزة الشيخ زايد للكتاب، وقالت المجلة الألمانية إن قبول واحد من أهم الفلاسفة الألمان لجائزة دولة تشتهر بالقمع وتنعدم فيها الحياة الديمقراطية لهو مؤشر يثير الإحباط. وقالت المجلة الألمانية مخاطبة هابرماس (ترجمت جريدة القدس العربي
مضمون مقالها): ماذا ستكون ردود الفعل إذا قبل ممثل بارز للحياة الفكرية الألمانية جائزة تحت رعاية آية الله خامنئي أو الرئيس بوتين؟ وأضافت المجلة: الزوار الغربيون عادة بالكاد يلاحظون ذلك في الإمارات، هم يتعجبون من التفوق المعماري، ويعجبون بالثقافة الرائعة، ويلتقون بمحاورين متعلمين تعليماً عالياً، بيد أن هذه مجرد دعاية وأن الكلمات الجميلة التي تقال لا تتبعها أفعال في ما يخص التسامح والديمقراطية وسيادة القانون.
وأوضحت المجلة “بهذا يتطرق هابرماس إلى السؤال الحاسم الذي طرحته “جائزة الشيخ زايد للكتاب”: من يخدم من؟ هل يمكن أن يتحول هابرماس إلى أداة دعاية إماراتية، يتم تدريبها على إخفاء وحشية نظام الحكم وراء ستار دخان من المفردات السامية والتألق الثقافي؟
وبعد قراءة هابرماس للمقال، كتب لدير شبيغل معلنا رفضه قبول الجائزة ومعرباً عن سوء تقديره في ما يخص البعد السياسي الذي أرادته الإمارات، وقال “لقد كان قراري خاطئا، وأنا أصححه الآن”، ونشرت المجلة الألمانية مقالا جديدا عبر موقعها الإلكتروني أشادت بقرار الفيلسوف الألماني معتبرة أنه تغليب للعقل وللمنطق.
ويعتبر هابرماس من أهم الفلاسفة المعاصرين على مستوى العالم، وقدم مساهمات نوعية وعميقة في حقل الفلسفة، على نحو أثرى العديد من التخصصات، كدراسات التواصل والثقافة، والنظرية الأخلاقية، واللغويات، والنظرية الأدبية، والعلوم السياسية، والدراسات الدينية، واللاهوت، وعلم الاجتماع.
ويعد هابرماس رائد الخطاب النقدي الفلسفي والسياسي، وقد وصفته دائرة ستانفورد الفلسفية بانه واحد من أكثر الفلاسفة تأثيراً في العالم.
*عن المدن