- 1 –
هناك حكايات يتداولها الناس هي الى الأساطير أقرب منها الى الحقائق لشدة غرابتها ، ولكنها في الواقع ليست قصصا من نسج الخيال ، وانما هي وقائع واحداث عاش بعض الناس فُصولَها على مسرح حياتهم الخاصة .
والأن :
اذا قيل لك إنَّ هناك رجلاً نشأ في ظل فقر مدقع ، ولكنه أصرّ على أنْ يكابد أهوال الاعمال الشاقة ، وصولاً الى أعمالٍ يستطيع بها أنْ يُغطي حاجاتِه الضرورية ، ثم واصل العملَ الحُرّ حتى أصبحَ من كبار الاثرياء الذين تقدّر لثرواتهم بالمليارات، فقد لا تصدق بسهولة، ولكنّك لا تستطيع أنْ تُنكر القصة اذا وجدتَها مكتوبةً في مذكرات ذلك الرجل، كاشفا فيها عن اسمه الصريح، وعن تلك الاعمال التي مارسها قبل أنْ تنفتح عليه ابواب الثراء العريض .
- 2 –
انني أُحدّثُك الان عنْ قصةٍ منقولة عن مذكرات رجل الاعمال(سليمان الراجحي) الذي لا تربطني به اية صلة على الاطلاق – وانما قرأتُ ما نُقِل عن مذكراته، يوم كان طالبا صغيراً، وكانَ عاجزاً عن دفع مبلغ تافه ليكون ضمن الطلاب الصغار الذين نَظّمتْ لهم مدرستهُم رحلةً خاصة، وبسبب الفقر المدقع قطع دراسته، وأصبح حمّالاً، ثم بقّالا، ثم طبّاخا ، حتى استطاع أنْ يجمع ما يُمَكّنهُ مِنْ افتاح محلٍ للبقالة ، ثم تحوّل الى العمل الصيرفي، منتهزاً موسم الحج ليمارس بيع وشراء العملات مع الحجاج، حتى انتهى به المطاف الى تأسيس ( مصرف الراجحي ) الذي يُقدّر راسماله بـ ( 600 مليار جنيه ) ويعمل عنده (8000) موظف في (500) فرع في أرجاء العالم .
- 3 –
وهنا لابُدَّ ان نشير الى العمل الحرّ –بكل ما ينطوي عليه من مصاعب ومشاق – لا يُقاس بالعمل الوظيفي الذي يعوّل فيه صاحبه على راتبه الشهري ، وقد يبقى الى آخر يوم من حياته يسكن داراً مستأجرة ، وقد لا يستطيع سداد أبسط الديون الاّ بعد ان يقبض راتبه ..!!
ليس كل الأعمال الحرّة ذات ربحيّة عالية ، ولكنها الطريق الطبيعي لامتلاك الثروة المالية
- 4 –
وقيل ان الراجحي –صاحب هذه القصة – جعل ثُلثيْ ثروتهِ وقفاً على مشاريع خيرية …
- 5 –
وفي مذكراته الموسومة بـ (قصة كفاح ) كتب انه يوم كان طالبا فقيراً عاجزاً عن دفع مبلغ الاشتراك في الرحلة المدرسية ، كان له استاذ شخّص رغبته الشديدة في ذلك فما كان منه الاّ أنْ قال :
عندي سؤال لكم ايها الطلاب ، وصاحب الجواب الصحيح سأمنحه مكافأة نقدية ، وهنا سأل الاستاذ تلميذه الراجحي فأجابه بشكل صحيح وبادر الاستاذ عندها الى تقديم المكافأة المالية التي مكنّت التلميذ الصغير (الراجحي) من المشاركة في الرحلة وأدخل الفرح والسرور على قلبه .
ومرّت الأيام واذا بهذا الاستاذ يصل الى مرحلة صعبة لا يقوى معها على تدبير أموره ، وهنا يتدخل (الراجحي) – الذي لم ينس صنيع استاذه معه أيام صباه – فيتوجه اليه ، ويركبه سيارته ويتجه به الى حيث يدخله الى شقّة جميلة ويقول له :
هذه الشقة هي سداد لِدَينْكَ والسيارة لك ايضا .
وأريدُكَ أنْ تقدّر الراتب الشهري الذي يكفيك مدى الحياة
فاستكثر الاستاذ هذا العطاء الجزيل
أقول :
إنّ المعروف لن تضيع آثاره لا في الدنيا ولا في الآخرة .
وقد نُسدي المعروف وتنساه ولكنه يكون سببا لانقاذك من أزمات كبرى خانقة، فلا تزهدنّ بمعروف وانْ قلّ .
وهنا يكمن الدرس .
حسين الصدر