يستمر التجاذب السياسي المزمن في العراق،حول تقسيم(الكعكة) بين الشركاء،حيث برزت هذه الأيام معضلة كيفية اختيار رئيس وزراء جديد، في ظل الاحتجاجات الشعبية التي تطالب بتغيير سياسي شامل،وقد بادر أحد السياسيين النابهين إلى اقتراح إستيراد رئيس من الخارج لضمان توافق الشركاء وترضية المتظاهرين في آن معا!
يصعب على العراق اليوم إنتاج رئيس وطني بعد أن بات يستورد من الجيران كل احتياجاته اليومية،ولا عجب أن يكون الرئيس مستورداً أيضاً،وما دامت الصناعة الأميركية والإقليمية مرفوضة شعبياً،كما يبدو، فإن الدولة الأكثر قبولاً هي الصين التي سبق أن تعاقدت معها الحكومة على عقود تقدر بخمسمائة مليار دولار في صفقة وصفت بالبناء مقابل النفط، وما أرخص النفط في مقابل استيراد الرئيس، الذي يصون كرامة العباد ويحفظ ثروات البلاد!
قد يكون اختيار رئيس مستورد لإدارة العراق نكتة يضحك لها المتظاهرون في ساحات التحرير،لكن هناك تعديل للمقترح المطروح وهو تصنيع(روبوت) غير ملوث بالتعصب الطائفي والعرقي والحزبي،يعامل الجميع دون تمييز، ويؤدي واجباته بإخلاص وكفاءة ونزاهة،ويكون مبرمجاً على عمل الخير والمحبة والتسامح!
ما يدعونا لمناقشة هذا المقترح الذي يبدو غريباً أن التقنيات الحديثة لا تعرف حدوداً،وأن خيال الإنسان أصبح بلا قيود، وقد بات الإنسان الآلي يقود الطائرة والقطار والغواصة والسيارة،فهل يعجز عن قيادة بلد بلا قيادة!
الروبوت السياسي يبدو هو الحل ما دام الفرقاء متفرقون،وكانت شركة نيوزلندية قد أعلنت قبل نحو عامين عن تطوير جهاز قد يصبح أول روبوت سياسي في العالم.وقال(نيك جريتسن) صاحب فكرة الروبوت السياسي الافتراضي إن الروبوت(سام) لديه القدرة على الإجابة على كافة الأسئلة عبر فيسبوك وتويتر، لافتاً إلى أن بإمكانه الترشح للانتخابات العامة المزمع عقدها العام المقبل،مؤكداُ أنه سوف يتفوق في أي مناظرة سياسية!
الرئيس الإلكتروني سيكون أكثر شعبية وطرافة وتواصلاً من كل السياسيين الذين عرفناهم في عهد الديمقراطية المستوردة،ولعل من أهم صفاته القدرة على الاندماج في فضاء مواقع التواصل الاجتماعي التي يرتادها الشباب المنتفضون بكثافة عجيبة، ومن ثم فإن الرئيس الروبوت قد يكون محاوراً ذكياً معهم،ويستطيع فهم مطالبهم،على العكس من السياسيين التقليديين المنفصلين عن الواقع الحقيقي والواقع الافتراضي،على حد سواء!
من المعروف أن زعماء العالم المتقدم يخصصون جزءاً من وقتهم للإجابة على الرسائل الالكترونية والتفاعل مع الناس عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما لا يجيده أغلب السياسيين العراقيين، وكثير منهم لم يعرف حتى الان استخدام البريد الإلكتروني، وبعض السياسيين ينشأون صفحات باسم( المكتب الاعلامي للسياسي الفلاني) يعني حضرة المسؤول نائم بالفيء ورجلاه في الفيس!
أتذكر حادثة شخصية، فقد التقيت، قبل الانتخابات بأيام، في استوديو إحدى الفضائيات، أحد المرشحين المزمنين لمجلس النواب،وبادرني الرجل بالتحية الحارة وزودني ببطاقة تتضمن أرقام هواتفه وبريده الإلكتروني وصفحته على الفيس وتويتر، فأستبشرت خيراً ووعدته بالتواصل،وعندما عدت الى البيت أرسلت له رسالة للتواصل، فلم يجب، واقترحت اضافته كصديق على الفيس،لم يوافق،طلبت ارقامه الثلاثة بالموبايل لم يرد،فأدركت انني،مثل كثيرين، كنت ضحية سياسي لا يخجل من الضحك على ذقون الناس إلكترونيا!!
د. محمد فلحي