-1-
من أحقّ الناس بالرعاية : الفقراء والمستضعفون الذين طحنتهم نوائب الدهر وقاصمات الظهر فأثقلت كواهلهم بالأعباء ، وأرهقتهم بالفاقة والحرمان وجعلتهم يعيشون في حالة من الانكسار .
-2-
وتتجلى الانسانية في طريقة التعامل مع هذه الشريحة البائسة فاذا ما رأينا تعهدهم بالعناية الفائقة والبر والصلات أدركنا عمق تلك النزعة الانسانية وأصالتها .
-3-
وهذا ما ازدانت به سيرة الأئمة الاطهار من اهل البيت (ع) حيث كانت لهم مع الفقراء والضعفاء مواقف كريمة سجّلها التاريخ بأحرف من نور، وهم بذلك جسدّوا القيم الرفيعة والمثل الاسلامية عمليا والتزموا بها قبل ان يعظوا الناس .
وهنا تكمن العظمة .
-4-
وعلى سبيل المثال :
جاء في سيرة الامام الباقر محمد بن علي (ع) :
” انه عهد لأهله اذا قصدهم سائل ان لا يقولوا له
يا سائل خذ هذا
وانما يقولون له :
يا عبد الله بورك فيك “
عيون الاخبار 3 /208
وهكذا يبدو الحرص على حفظ ماء وجوههم وإشعارهم بالمحبة والاحترام كما قال الامام الباقر (ع) :
” سموّهم بأحسن اسمائهم “
البيان والتبيين ص 158
كل ذلك لئلا يشعروا بايّ لون من ألوان الاستهانة او الاستخفاف بشأنهم
وهذه هي الانسانية في حقيقتها .
-5-
وجاء في سيرته (ع)
” انه كان لا يمل من صلة قاصديه وراجيه ومؤمليه “
الارشاد /ص299
وهذا يعني أنَّ ينابيع عطائه كانت تتدفق دون انقطاع .
-6-
وجاء أيضا في سيرته (ع)
” انه كان كثير البر والمعروف على فقراء يثرب “
وهذا المنحى الانساني معلم بارز من معالم شخصيته
-7-
قال عمرو بن دينار وعبد الله بن عبيد
ما لقينا أبا جعفر محمد بن علي الاّ وحمل الينا النفقه والكسوة .
ويقول :
هذه مُعّدة لكم قبل أنْ تلقوني
الارشاد / ص299
-8-
وجاء في كتاب صفة الصفوة ج2 ص 63 ان الحسن بن كثير قال :
” شكوت الى ابي جعفر محمد بن علي الحاجة وجفاء الاخوان فتأثر وقال:
بئس الأخ يرعاك غنيّا ، ويقطعك فقيرا ، ثم أمر غلامه فأخرج كيسا فيه سبعمائة درهم وقال :
استنفق هذه فاذا نفدت فاعلمني ”
أرأيت الامام (ع) كيف يعطي ويأمر بالرجوع اليه ثانية ليتجدد العطاء بعد انفاق ما أعطى …
ولذلك قيل عنه :
” لا يمل من صلة قاصديه ”
انّ الانسانية هي الطابع الذي تميّزت به سيرته ، وحفلت بها حياته المباركة .
وبهذا أصبح قدوة الأبرار وأين نحن من هذا المسار الباهر ؟!
فالكثيرون منا يهربون من الفقراء ، ولا يحظى منهم البائسون بنائل ..!!
واذا قُدّر لهم أنْ يقدموا شيئا من الفُتات لأحد الضعفاء فانهم يستكثرونه عليه ويمنون به عليه ،وهذه السمات بعيدة كل البعد عن المعاني الانسانية النبيلة .
-9-
وروت مولاته سلمى قالت :
كان يدخل عليه اخوانه فلا يخرجون من عنده حتى يطعمهم الطعام الطيب ، ويلبسهم الثياب الحسنة ، ويهب لهم الدراهم .
المصدر السابق ج2 /63
وهكذا تكون النفس السمحة مبادرةً الى اشباع حاجات الضعفاء والاخوان قبل ان يبوحوا باحتياجاتهم ،
وتعطيهم قبل السؤال منطلقة من انسانيتها الفريدة وأخلاقيتها العتيدة .
حسين الصدر