بغداد- ظفار اسماعيل :
وصلنا اليوم الى حدنا الفاصل ولن نعود كما كنا ، وصلنا الى مراحل جديدة من التناغم والتنظيم والعمل الجماعي فالكل يخدم الكل ، بشرط الوطنية لا تفرقنا اختلافات المذاهب ولا الاديان ولا مكان للاحزاب بيننا وحده العراق من يجمعنا وحده الظلم من يحركنا ونتشارك برغبة التغيير وقلب الطاولة على من استهان بقدراتنا طويلا واستحلى صمتنا وتمادى في ظلمنا ، نحن هنا معاً نتسابق في العطاء ونتنافس في تقديم التضحيات الجسدية وتقديم الخدمات ،حيث انعدم الخوف من المهاجمين الذين فاقت حدود رغبتهم في قمعنا والقضاء علينا كل التوقعات ، ومارسوا الكثير من اساليب البطش والتخويف ، من دون جدوى ، فلن ينجحوا في قتل من قتلوه مسبقاً ، ولن يخاف من قضى عمره بالعوز والحرمان وهو يراقبكم تغتنون وترحلون ، لتسلموها الى آخرين غيركم سيغتنون ويرحلون ، وسابقى انا هنا ، في مكاني اصارع مصيري وحياتي التي لم اعشها منذ سنين طويلة قضيتها احارب واقاتل واصارع المفخخات .
كم كنت مخطئاً حينما تصورت ان زمن الظلام قد رحل ؟ لم اكن اعرف ان للظلمات اشكال تختلف ، وان الصراخ هو الحل الوحيد الذي من الممكن ان ينقذني ، وان يلهم الاخرين بالتحرر من طغاتهم مثلي ، لهذا قررت ان لا اتراجع واني قد اخترت طريقي ، اخترت ان ارفع صوتي هل اخيفكم الان ؟ هل فهمتم انني قد تمردت ، ووصلت الى نهايه طريق الصبر ؟ الم يخطر ببالكم ،اننا ابناء رجال تعودوا على بطش الدكتانوريات ؟ وان ابائنا قبلنا ذاقوا الويلات تحت تعذيب جلاوزة النظام الذي سبقهم ؟ ولم نخنع ولم نتوقف . ولم تخل السجون يوماً من اجسادنا المعذبه ،لقد مرت علينا اشكال كثيره كلها تتشابه وكلها لم تثنِ عزيمتنا ولن نستكين نحن ابناء التكتك ، الذي منع من السير وسط الطرقات مع اننا لم نجد عملاً اخر نعيش منه بكرامة غير التكتك وغير البسطيات المخالفه للقوانين وغير البيوت التي شيدناها على ارض ليست لنا ولن تكون في يوم ،ونحن من ابتكر طرقاً جديدة للتظاهر حولنا العلب البلاستيكية الى خوذ ودروع لتقينا القنابل المسيلة للدموع والتي اكتشفنا فيما بعد ان الغرض من تسميتها هو انها ستقتلنا لتسيل دموع امهاتنا وليست دموعنا .
نحن جيل الصبر الذي طال ولن نعرف له نهاية حتى تسيل دمانا ثمناً للنور والحرية ، كنت مهمشاً ومرفوضاً عاطلًا بلا هدف يمر علي يومي كما مرت ايامي قبله وكما ستمر طوال عمري لولا انني قررت ان اصرخ هل ازعجكم صوت صراخي ؟ ولكنكم الان تسمعوني جيداً وتروني جيداً وتراقبون تحركاتي وقراراتي اذان انا موجود ولست مهمشاً ، انا مفلس ،مسلوب ، لا املك الا رغبتي في هز عروشكم.
والتي رسمت ملامحي وطبعت آثارها على وجهي ،انا منظم وقادر على التحول ،من هامشي الى فعال ،تركت اثاري في الطرقات ،التي مررت بها فتلونت بلون دمائي ،وازلت عنها التراكمات ،والمهملات ،لتزهو لامعة ،سعيدة ،مشرقة كاشراق روحي الذي قتلتموه بفسادكم وظلمكم ،وتعمدكم لتحطيمي ،وتحويلي الى كائن يائس مسلوب الارادة . انا هنا تمتلئ بي شوارع البلاد سويه مع اخواتي ولاول مرة نجتمع رغماً عنكم ،معاً ،لنقرر مصائرنا مع اننا كنا قبلا نتهم بالتحرش ،ونتهم بالتخلف ،الا انك حينما تزورنا اليوم تجدنا اشخاصاً مختلفين، سعداء ،برغم الموت والجروح ،نمتلئ طاقة برغم اننا لانملك اجرة الباص الذي نعود به الى منازلنا ، قررنا ان نبيت هنا فلابيت اكبرمن بيت الحرية ،ولا فراش اكثر راحه من فراش التمرد على الطغيان ، اشعر بانني حر للمرة الاولى وان تحولا كبيرا قد حصل لي ، وان العالم باجمعه يحكي عن بطولاتي وثورتي ورفضي لاستعبادكم ،مهما ستنادون وتطالبونني بالعودة لن اعود ،انا وجدت نفسي هنا ،وفي هذه الشوارع اهتديت الى حريتي ، التي افتقدت طعمها منذ زمن طويل ، صبرت طويلا فلا تطلبون مني المزيد من الصبر ،اكون او لا اكون هذا هو ردي الوحيد ،اكون او لااكون ،نطقتها فازاحت عن صدري ثقل العوز وقلة الحيلة ،والفقر، والدراسة التي ان اكملتها لن تعينني ،وان تركتها لن اعين نفسي ، هل ادركتم باني استطيع فعل الكثير ؟ هل ايقنتم انكم لولا سكوتي لما كبرتم ؟ولما سمنتم ،؟ولما اثقلت جيوبكم اموالي ؟ التي تسرقون عمري قبل ان تسرقونها ؟
وبالرغم اني لا املك الا قلقي واحزاني الا ان صرختي هزت عروشكم ، فكيف اذا تطلبون مني التخلي ، والرجوع ؟ انا لن اعود ، انا لن اعود.