ما إن خفت لهيب التظاهرات والاحتجاجات الشعبية التي اندلعت مؤخرا، حتى استنفرت السلطات الثلاث في الدولة العراقية جهودها لتلبية مطالب المتظاهرين وتحقيق الاهداف التي خرج من أجلها المتظاهرون. وكانت تلك الحملة التي أطلقها البرلمان والحكومة والقضاء، تتمثل بالإصلاحات التي ستسهم في تحقيق نوع من ردة الفعل نحو الخراب والفوضى والتراجع في عمل المؤسسات الحكومية. ولكي يتم السير بخطوات حقيقية ناجعة، للإصلاح، لابد من سلوك الطرق الصحيحة والمؤثرة، خصوصا وإن المشكلة مشخصة ومعلومة للجميع. إن مطالب المتظاهرين، ليست مجرد المطالبة بتخصيص مبالغ إعانات اجتماعية للمحتاجين، ولا مجرد إصدار قرارات لتوجيه الجامعات الاهلية بتوفير فرص عمل لأصحاب الشهادات العليا، ولا إصدار قرارات مستعجلة، قد تصطدم بالواقع فيتعذر تطبيقها. الاصلاح الحقيقي، يبدأ من قبة البرلمان، التي لها تملك صلاحية وضع الخطوط العريضة للإصلاح الحقيقي، وتلك الخطوط تتمثل بالقوانين والتشريعات التي لا يمكن بدونها تحقيق أي هدف من أهداف الاصلاح. ذلك أن أي قطاع أو مرفق عام أو خاص، لا يمكن أن يسير ويكتسب الشرعية القانونية، دون أن يوجد قانون ينظم عمله، ويضع الأسس العامة بسريان عمله. فمشاكل البطالة مثلا، لا يمكن حلها عبر قرارات مستعجلة وسريعة. البطالة بوصفها إحدى الأسباب التي أدت إلى خروج المتظاهرين، لابد من توفر مقومات حقيقية لحلها، وهذه المقومات، تكون على شكل قوانين تطبق على أرض الواقع.
السيد رئيس الوزراء، قال قبل اندلاع الاحتجاجات، أنه من الصعب استيعاب كافة الخريجين وأصحاب الشهادات بسبب تخضم الجهاز الاداري في العراق، وكثرة أعداد الموظفين، مقابل عدم وجود مردود حقيقي لأولئك الموظفين. هذه المشكلة يمكن حلها، عبر تشريع القوانين التي تسهم في التخفيف عن كاهل الوظيفة العامة، من خلال تشجيع القطاع الخاص، وتشجيع القطاع الخاص، يتم عبر دعم الاستثمار وتوفير التسهيلات اللازمة للمستثمرين الذين يمكنهم استيعاب أعداد كبيرة من الأيدي العاملة، ولكن بسبب غياب القوانين الكفيلة بتقديم التسهيلات، إضافة الى وجود مافيات الفساد في دوائر الدولة، فقد تمت عرقلة الكثير من المشاريع الاستثمارية التي يمكنها جذب الأيدي العاملة. المطلوب من مجلس النواب، كي يسير في خطوات الاصلاح الحقيقية أن يستعرض معرقلات الاستثمار كي تتم معالجتها عبر تعديل قانون الاستثمار او على الأقل تعليق العمل بالنصوص المعرقلة للاستثمار. ظاهرة الفساد الإداري والمالي التي اسهمت في هدر المال العام على مدار السنوات السابقة، والتي تمثل إحدى أهم أسباب التظاهرات، يجب توفير بيئة جديدة لمكافحة الفساد، بدلا عن هذه البيئة التي أثبتت عدم فاعليتها. ولعل خطوة إلغاء مكاتب المفتشين العموميين، تعد أهم خطوة حقيقية قام بها مجلس النواب منذ اندلاع الاحتجاجات، ويمكن أن تحقق أهدافها، تبعها موقف السيد رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي أصدر أمرا بتفعيل قانون الادعاء العام وأخذ دور المكاتب المنحلة في التفتيش، حيث أن تولي جهة مختصة ورصينة مثل الادعاء العام أمر مكافحة الفساد، بدلا عن المكاتب المنحلة التابعة للجهة نفسها التي تراقب عملها، أمر مهم وقد تتم مشاهدة الفرق بين الأمرين في قادم الأيام. إن الخطوات الفعلية والحقيقية للإصلاح، يجب أن تمر عبر بوابة تشريع القوانين التي لا غنى عنها في وضع الأطر العامة والأساسية في سلوك طريق الاصلاح الذي عزم البرلمان السير فيه. وليس البرلمان هو المسؤول الوحيد، بل الحكومة، تتحمل الجزء الأكبر بوصفها السلطة التنفيذية التي تتولى تنفيذ القوانين التي يشرعها مجلس النواب. إن قطف ثمار الجهد الأخير لمجلس النواب ليس بعيدا، خصوصا وإن المد الاصلاحي مازال في أوج قوته.
سلام مكي