وداد إبراهيم
لم يكن مجرد صحفي أو مراسل، بل كان مدرسة صحفية عراقية رصينة، يتميز بسرعة إعداد التقارير الصحفية وإرسالها، حتى إنه كان ينجز يوميًا أكثر من 26 تقريرًا يتسم بالقوة والدقة وسلامة اللغة، سواء بالعربية أو الإنجليزية. صوته الجهوري كان له وقع خاص في آذان مستمعيه حول العالم، إذ انطلقت تقاريره من أثير إذاعات أوروبية وأمريكية وروسية، فضلًا عن تقاريره العربية.
رحل يوم السبت، الثامن من آذار الجاري، الصحفي القدير “صبحي حداد”، الذي عمل في وكالات تُعد من أهم المؤسسات الإعلامية العالمية، ومنها الوكالات والصحف اليابانية والصينية والإسبانية. لم يكن أحد يصف غبار الحروب وأوجاعها ومشاهد القتل والموت كما كان يفعل ابن مدينة الموصل، الذي بدأ مسيرته الصحفية في الخمسينيات، وتحديدًا عام 1955، في وكالة الأنباء العراقية (واع). وُلد عام 1939، وكانت كفاءته في نقل الأخبار وصياغتها بمثابة جواز مروره إلى العديد من الوكالات العالمية، حيث انتقل للعمل في وكالات الأخبار السوفيتية (تاس، نوفوستي)، ومن ثم إلى وكالة رويترز، التي تتمتع بمتابعة واسعة حول العالم، ما جعله معروفًا دوليًا بسرعة.
أحد الصحفيين العاملين في وكالة الأنباء العراقية سابقًا قال لي: “كان لصبحي حداد دور كبير في نقل الأحداث خلال الحروب، وكان يتميز بسرعة نقل الخبر وصياغته دون أخطاء. لم يُرفض له تقرير أو خبر، وعُرف بأسلوبه البديع في كتابة القصة الخبرية. لهذا، كانت رحلته مع الصحافة طويلة وحافلة بالنجاح، ما جعله من أبرز رموز الصحافة والإعلام، وأهّله ليحمل لقب ‘عميد المراسلين’، كونه أول وأهم مراسل لجهة إعلامية خارجية، بالإضافة إلى تحقيقه رقمًا قياسيًا في موسوعة غينيس بعدد التقارير الصحفية التي أعدها خلال يوم واحد. لقد كان مدرسة في الأخلاق والالتزام والمصداقية، فضلًا عن كفاءته العالية في الصياغة وسلامة اللغتين العربية والإنجليزية. وخلال أكثر من ستين عامًا من العمل الصحفي، لم ينافسه أحد في هذه المهنة، التي تُعرف بـ ‘مهنة المتاعب.
نال حداد لقب “عميد المراسلين في العراق” لكونه أول مراسل يعمل لصالح جهة إعلامية خارجية، كما أسس “رابطة المراسلين العرب والأجانب” ضمن نقابة الصحفيين العراقيين. كان من الجيل الأول الذي أسس النقابة، وكان من أصغر أعضائها حين ترأسها السياسي كامل الجادرجي، ثم أعقبه الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري.
على مدى نصف قرن، عمل حداد مراسلًا لكبرى المؤسسات الإعلامية الأجنبية، ولم يُرفض له تقرير صوتي أو مكتوب. تميز بمصداقيته وحياده وحرفيته العالية، ما جعله بلا منافس في الكفاءة والأداء.
في لقاء صحفي، كشف حداد بصراحة أنه لم يمر عليه عهد إلا وتعرض خلاله للاعتقال والسجن بسبب عمله الصحفي. ففي العهد الملكي، وأثناء الاحتلال البريطاني، كتب عام 1956 مقالًا في صحيفة “الزمان” دعم فيه الموقف المصري ضد العدوان الثلاثي، ما أدى إلى اعتقاله لمدة عام. وبعد خروجه من السجن، ظن أن العمل في شركة نفطية في كركوك كمترجم قد يكون أكثر استقرارًا، إلا أن شغفه بالصحافة لم يفارقه. وبعد أقل من عامين، اعتُقل مجددًا لأشهر بسبب نشاطه النقابي، ما أدى إلى فصله من الشركة. رغم ذلك، استمر في عمله الصحفي، وتميز بقدرته الفريدة على تحرير الأخبار شفهيًا بسرعة ودقة، فتعلم منه الكثيرون، ولم يبخل بعطائه ونصائحه ومعرفته الصحفية العميقة.
رحم الله صبحي حداد، الذي بقي حتى آخر أيامه مثالًا للمهنية الصحفية والالتزام الأخلاقي والاحترافية التي لا تُضاهى.
ملك القصة الخبرية وعميد المراسلين صبحي حداد في ذمة الله كرّمه إمبراطور اليابان وحاز على وسام القصة الخبرية
التعليقات مغلقة