ستار كريم مظلوم
أن العودة الى عشرينات القرن الماضي تأتي من كونها الحد الفاصل بين عهدين تأريخيين، الحرب العالمية الأولى والاحتلال البريطاني للعراق ثم قيام حكومة عراقية ، ليست عثمانية، ولكنها مواليه للإنكليز وان كان الشعب العراقي في تلك الفترة من عمر العراق، أسير ما ورثه عن الاستعمار العثماني مع تلقيه في ذات الوقت ما كان الاستعمار الجديد قد جاء به معه من عالمه الغريب عنَّا، ثم ما كان الحكم المحلي يريد تحقيقه من تطور تعسَّرت ولادته جّراء مخلفات الماضي القريب، وظروف الواقع الصعبة سياسياً واجتماعيا واقتصادياً وفي تلك الأعوام من عراقنا، كانت مدننا الكبيرة صغيرة جداً إن قيست بمدننا اليوم، اما مدننا الصغيرة الراهنة فليست غير قرى، وكان الفقر هو السائد، والفقراء هم جهلة على الأغلب، ولا يحل الفقر والجهل الا معهما ثالثهما المرض، قلة جداً كانت تعرف جوانب من نعم الحياة، هم على الأغلب من الأثرياء المحليّين وبعض الأجانب المتنفذين، أما الأكثرية فتكدح من أجل الثوب واللقمة ومن ثم البقاء كمادة للديمومة لا أكثر، وكان البيت العراقي رغم الظروف العامة السيئة، يستمد مادة استمراريته من التقاليد والعادات المتوارثة، ويأخذ بكل جديد ولكن بحذر ووفق إمكاناته المادية وكان عمود البيت كبير أهله من الرجال، ثم من هي في منزلته بين النساء ولكن المرأة كانت قعيدة البيت، وكان الرجال في مجالسهم قلّ أن يشيروا اليهن في أحاديثهم، وكانت المرأة لا تغادر بيتها الا بعد أن تتحجب بعباءتين صوفيتين أو بواحدة مع برقع تغطي به وجهها ( بوشي) وظلت المرأة محرومة من التعليم طويلاَ حتى بعد أن تم فتح ابواب مدرسة للبنات، ثم مدارس، ويوم كان بعض الصبية يذهبون الى الكتاتيب الموجودة في بعض المحلات البغدادية، لم يكن في بغداد كلها أكثر من ثلاث أو اربع ملاّيات يقمن بتعليم البنات قراءة القرآن الكريم وكانت الدارسات عرضة للمنع عن مواصلة الذهاب الى الملاية عندما تبلغ العاشرة بزعم أنها (صارت مرة) علماً بأن طالبات تلك الأيام كُنَّ يضعن العباءات على رؤوسهن وهن دون السابعة من العمر، وكانت كل عائلة تحرص على تعليم الأولاد إحدى الحرف اليدوية، وكان الصبي يتعلم عادةً حرفة الأب أو العم او الخال، أما البنات فيتم إعدادهن ليكن ربات بيوت فيعلموهن الغسل والكنس والطبخ، وكان من المألوف أرسال بعض العوائل بناتها صغيرات الى ( خياطة المحلة) ليتعلمن عندها كيف تعد الملابس البيتية لذويها وفي المستقبل لزوجها وأولادها، وكانت المكائن المتوفرة تدار باليد وليست كهربائية كمكائن الخياطة الآن، ولا التي سبقتها وكانت تدار بالقدمين، وكان ممن الطبيعي أن تشارك البنات منذ صغرهن بكل الأعمال المنزلية بزعم إن المرأة خلقت للبيت وللأولاد، إذ لم يخطر ببال أحد أن المرأة يمكن أن تكون طبيبة أو مهندسة او رائدة فضاء، كما ان الرجال كانوا يعتقدون بأن الأبن ( يطلع على ابوه) فأبن النجار هو نجار الغد وأبن الحداد كذلك وهكذا ، وكانوا ينتقدون الشاب ان لم يتعلم صنعه والده فيقولون ( لو حظَّه زين جان إتعلم صنعة أبوه) ولن يصدق الأجداد لو عادوا الى الحياة اليوم ورأوا احفادهم من الجنسين وهم يملؤون الكليات والمعاهد العالية، وقد شملت حملة مكافحة محو الأمية الأمهات وتم أنشاء المدارس في الأهوار والبوادي والجبال، وكانت الكلمة الأولى في البيت لأكبر الرجال سناً ويكون له النفوذ الحقيقي إذ كان هو الذي يسيطر على موارد الأسرة المالية.
تقاليد وعادات عراقية
التعليقات مغلقة