عيد ميلاد سعيد يا أبن الخال

حملت حلمي لوحدي وأنطلقت، وفي كل خطوة كنت أراها أكثر قرباً وهي تنادي أسرع سوف تصل يا حبيبي!

أنطلقت في الساعة الثامنة ليلاً، وكان الجو قارساً، وأنخفضت درجة الحرارة فيه إلى خمسة عشر درجة تحت الصفر أو أكثر، وأرتفع الثلج إلى أربعة أمتار.

أجتزت الوديان المظلمة وحتى وصلت بي أن لا أرى يداي من شدة الظلام، كنت أسقط من مناطق عالية جداً دون أن أحس بالألم من شدة فرحي بالوصول أليها! حتى وصلت إلى حالة الأرهاق التي يرثى أليها، والثلوج التي غطت الجبال وكأنها تلال من الصحراء الواسعة الأفق… وأخذت بالصراخ: “أنقذوني، سوف أموت… الجو بارد… أنا تائه”. وحبيبتي لا زالت تصرخ بوجهي “لا تيأس، أنها بضع خطوات فقط، أخطوها لأجلي”.

أنت قوتي أيتها الربة المتوجة، أنت من يبعد عني هذه الأشباح التي تطاردني منذ خمسة عشر يوماً، وتحوم حولي في كل مكان والتي غطت الجبال والسهول ببياضها اللعين.

وأسمع رنين أتصال من الفيس بووك. أهها، أنت المنقذ يا أبن الخال! منذ أكثر من سبع سنين لم أسمع عنه أي شيء وها هو يأتي صورة وصوت حتى لو بعد عني أكثر من أربعة آلاف كيلو متر.

– “كيف لنا بالخلاص مما نحن فيه يا أبن عمتي الحبيب؟ هل هناك طريقة، أية محاولة ممكن أن نقوم بها للخلاص من هذا الجحيم الذي نعيش فيه منذ عشرة سنوات؟”
– “وأين ذهب صدريكم، منقذكم، مختار العصر منكم؟” قلتها متهكماً ضاحكاً.
– “يا صديقي الغريق يمسك بقشة علها تنقذه، ونحن كلنا غرقى فأي شخص يأتينا ممكن أن يضحك علينا بسهولة”
– “وهل تغير شيء الآن؟ لا زلتم غرقى والحلول دائماً بأيديكم، لكننا تعودنا على أختيار الحلول الأسهل وترك الوطن للأوغاد ولأجل ماذا؟ لا شيء، بففف، فعلاً لا شيء!”
– “لقد تغيرنا، الشعب الآن يعي مصيبته، وقد وعى بأن هؤلاء السياسيين ليسوا سوى لصوص وممثلين تافهين في مسرحية لا يضحك فيها غيرهم، ومستعدين أن يفعلوا أي شيء للبقاء في مناصبهم. فكيف لنا محاربتهم؟”
– “غداً لنا لقاء طويل أيها الصديق الجميل نكمل فيه حديثنا، ولديّ الكثير لأخبرك به”… أنتهى أتصالنا الذي أستمر لساعتين وربع. وهل وصلنا لحل؟ ومن نحن لنفكر بحلول تنتشل بلداً كبيراً من خراب ودمار!؟ كلا نحن القوة التي لا يمكن الأستهانة بها أبداً. زمن الدكتاتوريات قد أنتهى، أما هذه الدكتاتوريات التي نراها الآن فما هي إلا فزاعات متكئة على قوة المال الهائل الذي سرقوه من الشعب!

سأصل ولم يبق الكثير لأصل… كنت أسمع أصوات أغاني من بعيد ودبكات كردية وأسرع من خطاي وخوف شديد يتملكني. بت أرى الفشل أمامي والوصول كان بعيداً عني، فكرت بالعودة، لكن هل لديّ طريق للرجوع؟ وهل أتذكر كيف أتيت لهنا!؟

أخذت بالصراخ والعويل… من أجلك جئت، ومن أجل الحب قد أتيت… أنقذيني، خلصيني يا شقيقة النفس وتوأم الروح… كنت أسمع صدى صوتي وهو يموت ويدفن بالثلج وتحيط به تلك الأشباح التي تطاردني في كل مكان… وأخيراً يتملكني سلطان النوم، وأقول “إيه… أخيراً سأنام!”.

الحمد لله وصلت أخيراً… وأخذت أسألتهم الطفولية تنهار عليّ: “أيوجد عندكم شارع؟!”، “هل هناك سيارات وطيارة في بلدكم؟”، “هل لديكم بيوت أو عمارات سكنية؟” فأجيبهم بكلا ولا! “كيف تعيشون أذن وأين تسكنون؟” فأجيبهم بأننا نعيش بخيم من شعر الماعز!

وأول شيء أفعله بعد قيامي من الفراش هو أن أفتح الكمبيوتر ثم أذهب إلى التواليت. فأغسل وجهي مسرعاً لأجيء لعالمي الأفتراضي اللعين. لكن اليوم سألتقي بأبن الخال، الصديق المخلص الذي أفتقده كثيراً. ياااااه! كيف نسيت أن أسأله البارحة عن أبنة الشيخ جارتنا التي كان يأتي لنا للقاءها. فيتملكني الضحك على العشرات من المواقف التي كانت تمر بنا، أو كيف لي أن أحرس باب السلم عندما يتكلم مع عشيقته تلك. لا أدري أين مضى الزمن بها، وهل تزوجت الآن؟ عجيب كيف لي أن أنسى حتى سؤاله عن عدد أطفاله؟!

أذهب إلى حسابه على الفيس بووك وأظل أقلب بصوره، فأكتشف بأن عيد ميلاده بعد يومين فقط. ما الذي سأتكلم به معه اليوم؟ أهم شيء أن يبتعدوا عن الطائفية البغيضة والأنتخابات القادمة هي الفيصل وفرصتهم الوحيدة للتغيير وإلا لو بقيت هذه الوجوه الصفراء تحكم فستبقى التفجيرات والقتل، وسيظل حلمهم كبيراً فقط للعيش بأمان، وهو أملهم الوحيد! عجيب كيف للمرأ أن يتنازل بسهولة عن أبسط حقوقه عند ضياع أحدها، الرئيسة، في العيش، أن يعيش مطمئناً على حياته وحياة عائلته!

وأسمع رنين أتصال من الفيس بووك. هذه المرة من أحد الأصدقاء.

– “هل سمعت بأخبار العراق؟”
– “هل هناك جديد غير الأنفجارات اليومية؟”
– “ألم يتصل بك أحد من الأهل؟”… هنا بدأت صورة الأشباح البيضاء تراودني من جديد. اللعنة كيف لي أن أتخلص منك حتى بعد أكثر من ثلاثين سنة؟ إيييه كم أود أحياناً أن أخوض مثل تلك المغامرة اللعينة هنا. فهل تصل بك أحياناً أن تلعن الأمان الذي أنت فيه؟ هل يمكننا أن نملّ من الهدوء والجمال والمحبة التي تحيط بنا دائماً؟ الحياة مغامرة إما أن تنجح أو أما أن تفشل، فقط علينا أن نسعى لتحقيق أهدافنا. قد لا يكون من أجلنا فقط بل من أجل غد أفضل، ومستقبل مشرق… لا تنظر إلى الخلف بل تقدم بثقة… بثقة نحو مغامرة وسفرة طويلة جديدة على الأقدام بدون أي وسيلة أتصال حديثة، أو أي شيء أخر من التكنلوجيات اللعينة!

– “أنفجرت البارحة ليلاً إحدى السيارات، وراح ضحيتها أبو أيمن… البقاء في حياتك…”.

بقيت أتردد للشارع المسكين الذي تسكنه سابقاً، وأخفي بين ثيابي قنينة خمر، وأبقى هناك حتى ساعة متأخرة من الليل. ويبقى البكاء لذلك الهجران هو سلوتي الوحيدة… أيييه يا أبا أيمن، أيييه يا أم وسن… وتستمر زياراتي لهذا الشارع لسنتنان كاملتان. فهل أفكر يوماً بالتخلص منها؟ من تلك الأيام؟ الحياة مغامرة إما أن تنجح أو أما أن تفشل… بدون مغامرة ستكون الحياة مملة… وهذه الأنفجارات مغامرة سخيفة دائمة… لكن هل تعيش حياتك كلها مغامرات، ومع أبناءك الصغار أيضاً!؟

أما حسابك على الفيس بووك يا أبن الخال الذي لن ينتهي، وليس فيه (إكسباير) فسيظل سلوتنا كلما أشتقنا لك. وفي عيد ميلادك سيذكروننا ونرى أسمك لامعاً في الأعلى ومقترح من أصحاب هذا العالم الأفتراضي اللعين “قل لأبا أيمن عيد ميلاد سعيد!”.

 

موفق الطاهر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة