ستار كريم مظلوم
منذ عشرينات وثلاثينات القرن الماضي بدأت الصحف المحلية تكتب عن الأضرار الصحية الناجمة عن تدخين تبوغ اعقاب السكائر والذين طالبوا بمنع بيعها من الصحفيين القدامى كانوا على حق فبغداد وكل قطرنا معها كانت معرضة لشتى الأوبئة الوافدة اضافة الى الأمراض المزمنة فكان ذلك التبغ يلعب دوراً بارزاً في نقل الأوبئة والامراض السارية من مدخني السكائر الى مدخني تبغ اعقابها، الا أن الصحفيين القدامى لم يحاولوا التنبيه الى خطورة التدخين اصلاً وكانت السكائر الشائعة الاستعمال هي التي تلف باليد من قبل مدخنيها وكان كل واحد منهم يحمل في جيبه ( كيس التتن) ومعه دفتر الورق الرقيق، والصغير الحجم وأشهر ماركة يومها كان ) ورق باخرة( ثم استعاضوا عن كيس التتن بعلبة صغيرة هي ( قوطية) التتن وكانت توضع فيها ايضاً السكائر الجاهزة أي ( أم الزبانة ) والزبانة هي الذنب ففي نهايتها كانوا يضعون ورقه مطوية لمنع التبغ من التسرب الى الفم وكانت الدكاكين التي تبيع تلك السكائر تعهد الى النسوة بأعداد اوراقها وتعبئتها بالزبانات ثم يقوم البائع نفسه بملئها بالتبغ وهو يجلس في دكانه او يقوم بذلك معاونه ( الصانع) أما السكائر الأجنبية المصنوعة اوتوماتيكاً فقد كنا نستوردها وكانت أشهرها ( أم البزون – وبلايوز – وكولدفيك) وكان يدخنها الانكليز من جنود الأحتلال والموظفين وبعض شباب تلك الأيام ومن تبوغ اعقاب كل تلك الأنواع من السكائر كانت تتجمع الأكوام الصغيرة التي يعاد تدخينها وكان الناس يرون باعة تلك التبوغ وقد جلسوا القرفصاء على الرصيف قي ساحة الميدان وقد وضعوا على خرقة غاية في الاتساخ ما لديهم من تبوغ الاّ أن محلهم المختار كان عند مدخل الجسر القديم من ناحيتي الكرخ والرصافة وهو الجسر الخشبي الذي حل محله جسر الشهداء الحالي وقد كان الفقراء في بغداد هم الأغلبية الساحقة وبسبب الفقر وقلة الأعمال لجأ اولئك والفتية الى البحث عن ثمن رغيف الخبر في بيع اعقاب السكائر وكانوا محقين بذلك لأنه يصعب عليهم أن يصدقوا ان تبوغ أعقاب السكائر كانت تباع وتجد من يقبل على شرائها، وبسبب الفقر والجهل أيضاً كان عدد غير قليل من المبتلين بإدمان التدخين يشترون تلك التبوغ ويعيدون تدخينها عن طريق اللف او باستعمال الورق الخاص بالسيكارة( أم الزبانة) أو باستعمال ( السبيل) وكان يصنع محلياً من الطين المفخور وهو قريب الشبه من( الغليون) الأجنبي، لقد كان البعض يعيش من اداء هذا العمل غير المثمر ( بيع اعقاب السكائر) ويبدأ في التنقل في شارع الرشيد والأسواق وحيث تقع الفنادق والبارات البدائية ودور السينما، وقد حمل كل واحد منهم بيسراه صفيحه صغيرة من علب الأصباغ وغيرها وجعل لها ممسكاً من السلك، فما أن يقع نظر أحدهم على عقب سيكارة ملقى على الرصيف أو ارض المحل العام حتى ينحني عليه ويلتقطه ويقربه العلبة ويرفع بإبهامه وسبابته ما في العقب من تبغ قليل الى داخل العلبة ويظل هكذا يفعل حتى تتوفر لديه كمية من التبغ، وكان عرض التبوغ المستخرجة من اعقاب السكائر يتم في ساعة معينة من النهار، عندما يفتح الجسر من منتصفه لتمر السفن الصغيرة – إمهيلات- والجنائب التي تسحبها ( الماطورات) والجنيبة هي –الدوبة – وكذلك (الشخاتير) وواحدها شختور وكانت تصنع من الأخشاب ثم صارت تصنع من الصفائح المعدنية، وكان فتح الجسر يؤدي الى ازدحام المقاهي القريبة منه، على جانبي دجلة بمنتظري ساعة فتحه امام السابلة هذا غير الذين يفضلون الانتظار وقوفاً وعندما يتسنى لمن يريد منهم شراء التبغ فعليه الدخول في مساومات عويصة مع جامعيه من الأعقاب، انها ذكريات عن حياة كانت فانتهت الى غير عودة نهديها الى مدخني أيامنا هذه مع تذكيرنا إياهم بأن التدخين يلحق الضرر بصحتهم ويستحسن بهم تركه.
سكائر من اعقاب السكائر
التعليقات مغلقة