وداد ابراهيم :
كل من عمل في الصحافة وكل متابعي الصحف اليومية اول ما يلفت نظرهم الافتتاحية التي يكتبها رئيس التحرير، واحيانا يتدرج رئيس التحرير الى السياسة اوالى ما يهم الحياة وما يحتضن المواطن، وكلنا يعرف ان من يكتب الافتتاحية رجل نصب نفسه لكي يحقق الاصلاح او ان غايته ان يوجد الاعتدال والعدالة دون ان ينتابه شك بأن الكلمة المكتوبة تغير المجتمع وتغير النفوس لذا فالافتتاحية حتى وان كانت تتطرق الى السياسة الا ان الحكمة منها وضع الامور في نصابها، وهذا ما لمسته في الافتتاحية التي كان يكتبها رجل الصحافة وفقيدها الاستاذ اسماعيل زاير في صحيفتي الصباح والصباح الجديد بعد الاحداث السياسية التي تعرض لها العراق عام 2003
بوسع اللصوص والمحتالين سرقة الاشياء والافكار بطريقة لا شبيه لها
الافتتاحية التي كان يسطرها قلمه تحت عنوان موحد (هذا الصباح) والتي تكشف عن ما تكنه نفسه من حب وحرص على العراق والعراقيين وسعيه لان يكون العراق بلدا يضاهي بلدان العالم بالتقدم والتطور والامان، بالأخص بعد عام 2003 وفي السنوات الاولى لتأسيس هذه الصحف، وانا اقلب الافتتاحيات بين عامي 2004 و2009 وقعت عيني على افتتاحية تحت عنوان (حقيقة الخطاب الارهابي )
جاء فيها” بوسع اللصوص والمحتالين سرقة الاشياء والافكار والقيم بطريقة لا شبيه لها من الكمال والحرفية ..كنت افكر بهذا وانا اتأمل وجه الذي امر بتفجيرات المدارس والمحطات الاخيرة، ونحن عندما نتوجه بالإشارة الى هؤلاء لا ننس القول ان من الخاطئ للغاية ان نضيع البوصلة بل نركز على القتلة وانصارهم …نحن لا نقع في اي التباس عندما نعارض الظلاميين الذين يتواجدون في اوكار ومخابئ داخل العراق، ونعرف ان مشروع الظلاميين لا يرتبط بالعراق حصريا فهم يتخذون بلادنا موطنا لهم لانهم يعتقدون اننا ضعفاء…قلنا ان اللصوص والمحتالين ربما يمكرون على نحو متقن بحيث يصدقهم بعض الناس ولكن الحقيقة الناصعة سوف تشرق في اخر المطاف .
من الذي اخرج العربة من السكة
ويتواصل الكاتب والصحفي والفنان الراحل (اسماعيل زاير) في الكتابة عن العراق ومستقبله بافتتاحية تترك لسعة واثر لدى القارئ وهو يبحث عن سعادة المواطن العراقي حيث يبلغ الكلام ذروته العليا وتتراجع المسائل الثانوية بأسلوب يوضح غايته من الافتتاحية الا وهو حرصه وحبه للعراق بكل اطيافه وقومياته من خلال مقاطع اضعها لكم للقراءة فيقول:
“جدل الفيدرالية في اقليم كردستان على اشده ليس لان الموضوع غير مطروق او انه طارئ على الاجندة السياسية في العراق، لأنه اتخذ خلال الايام القليلة الماضية منحى ساخنا او سخن بالأحرى في اكثر من مطبخ سياسي ليس كلها تتطلع الى تغذيتنا بالسليم والصحيح.
بدأ الجدل هادئا رصينا وانتهى بشكل عنيف في منطقة كركوك الحساسة للغاية ..من الذي اخرج العربة عن السكة؟ من الذي افتعل جدلا غير مهيأ له؟ الجواب يعرفه الساسة في الاقليم وفي بقية المناطق من العراق.
اولا لا ينبغي التساهل في فهم حساسية الموضوعات المتربطة بالفيدرالية او طرحها من الزوايا الخطرة التي يكون للفكر الفاشي والعنصري الذي اتبعه النظام مكان او مرتع له بل ينبغي اثارة اقصى ما يمكن من تفكير وبحث وحوار عبر الحلقات المناسبة وبالقدر المخطط له بعناية وبما ينفع في تقريب التوجهات والافكار. السبب في هذا الحذر الزائد ينطلق من ان الفيدرالية كمعطى سياسي جرى الاتفاق عليها بين اطراف المعارضة للدكتاتورية منذ اكثر من عشر سنوات. وجرى وضع النصوص المرتبطة بالفيدرالية في جميع الوثائق الصادرة من مؤتمرات المعارضة العراقية ابتداء من مؤتمر فينا ومرورا بمؤتمر صلاح الدين عام 1992 ومؤتمر نيويورك عام 2000 ووصولا الى مؤتمر لندن عام 2002.
ويعود فقيد الصحافة اسماعيل زاير في الكتابة عن قوميات العراق وفي توضيح النقاط المهمة في توحيد الشعب العراقي في افتتاحية اخرى
الخسارات والعثرات دروس
تستثمرها الامم في مستقبلها
فيقول: خطا اقليم كردستان خطوة مهمة للغاية بتوحيد الادارتين الكرديتين مما اعطى للشعب الكردي الامل مجدداً بتقدم الحياة والعمل والبناء كما ينسجم مع المصالح الوطنية بل الحلم الجميل للأكراد في ان يبنوا موطناً دافئاً وحميمياً لهذا الشعب النبيل. وتعود هذه الخطوة المباركة بنفع على مجمل العراق ايضا لأنها تعطي رسالة واضحة للسياسيين في البلاد بأن امكانية شعبنا في تحمل مسؤولياته في الظروف الحرجة الراهنة وتطمئن الصديق الى ان الاحزاب الكردية التي قادت نضالات شرسة وصعبة ودامية خلال عقود الدكتاتورية بوسعها ان تقود في مرحلة البناء الحضاري والسياسي وتنشئ ادارات كفؤة تنظم حياة المواطنين وتوزع عليهم ثروة البلاد بشكل عادل ومعقول.
وفي اخر الامر تؤكد هذه الخطوة ان بوسع شعبنا العراقي بناء نظام ديمقراطي يتسع لجميع الآراء والاجتهادات والافكار ويستوعب المبادرات مثله مثل اي شعب متمدن وصل الى مراحل التمدن المتقدمة.
وقد يظهر بين ظهرانينا من يتوجس من المستقبل ويقول: “ان الاخوة الاكراد تقاتلوا وتصارعوا في الوقت الذي كان بوسعهم ان يبنوا يدا بيد هيكل الديمقراطية” ولكن التجربة التاريخية للشعوب المختلفة توضح ان الخسارات والعثرات مع الاثمان الباهضة التي تتكلفها الا انها تبقى كدروس ثمينة تستثمرها الامم في مستقبلها..
الرحلة طويلة الزاد قليل
قضية الانتخابات جاءت في بعض مقالاته وخلال فترة تحرير قانون الانتخابات بالذات فيقول في واحدة من مقالاته: المهلة المتاحة لتحرير قانون الانتخابات اقصر مما يتصور اي عاقل ولاسيما ان المنطلقات التي يستند اليها المختلفون مختلفة بشكل كبير والبون في المواقف شاسع…وكما يقال الرحلة طويلة والزاد قليل.
وحتى لا نذهب بعيدا عن هدفنا نقول: ان الطبقة السياسية متخلفة عن شرائح الشعب العراقي في تفاعلها مع الاستحقاقات الدستورية…وفي الواقع يتحمل السياسيون العراقيون اليوم وزر التشويش والقلق ومشاعر الاحباط التي يعاني منها المواطنون، والحقيقة ان نوابنا يبرهنون يوما بعد اخر على انهم حريصون على اغلاق باب الامل امام شعبنا.
تبقى مقالات الراحل اسماعيل زاير دروس وعبر في شرح الواقع السياسي والاجتماعي العراقي ومنار للباحثين عن المشهد العراقي بعد احداث عام 20003 حتى رحيله يوم 29/7/2021 رحمه الله واسكنه فسيح جناته.