الهوس يدفع البعض الى تصوير المأساة بدل المساعدة لانهائها

الصباح الجديد – متابعة:

بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، والحديث عن الاموال التي يتقاضاها من يصل عدد متابعيه الى الملايين او مئات الالاف ومن يحصل اي منشور على عدد اعجابات كبير، صار هناك هوس بنشر فيديوهات غريبة او صادمة او تحتوي على مشاهد مروعة سواء كوارث طبيعية او وفاة شخص ما باي طريقة كانت.
فإن شاهدت حادثا مروعا على الطريق يقع أمام عينيك، فهل تهرع إلى المساعدة أم تصوّر الحادث بكاميرا جوالك، وتنشره على صفحاتك في وسائل التواصل الاجتماعي؟
السؤال مباشر وبسيط، ولكن الإجابة ليست سهلة على الإطلاق، وتحدد شخصيتك ودوافعك والمنظومة الأخلاقية التي تحركك.
كثير من الناس سيصوّرون الحادث بأدق تفاصيله ثم ينشرونه على وسائل التواصل الاجتماعي، وفي الحقيقة فإن العدد الهائل من الفيديوهات للحوادث والمآسي الإنسانية التي نشاهدها على هذه المنصات تقدم إجابة شافية عن السؤال.
حتى الدماء والمآسي صارت وسيلة لجمع أكبر عدد من المتابعين والتعليقات على وسائل التواصل الإجتماعي.. هل عدد الإعجابات أهم من إنقاذ حياة إنسان يصارع الموت على جنبات الطريق؟
يقول البروفيسور ديون فورستر الأستاذ المشارك في جامعة ستيلينبوش الجنوب أفريقية، في مقال حديث له نشرته منصة «ذا كونفرسيشن» (theconversation.com)، إن «الإنترنت عموما ووسائل التواصل الاجتماعي خصوصا تعيد تشكيل هوياتنا الفردية وقيمنا بصورة مشوّهة».
ويشير فورستر إلى السيطرة الكبيرة التي تملكها وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكيف تتلاعب بالمستخدمين من خلال جمع بياناتهم الشخصية، ورغباتهم وهواياتهم لاستخدامها من أجل هدف وحيد هو الربح، مؤكدا أن هذه الشركات تعمل جاهدة على إيصال المستعملين إلى مرحلة الإدمان المرضي الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى جعل البشر يتصرفون بطريقة غير أخلاقية مع محيطهم، وربما بطريقة عدائية أيضا في كثير من الأحيان.
ويضيف فورستر «لدي شخصيا آلاف من الأصدقاء على فيسبوك (Facebook) وتويتر (Twitter)، ومن الصعب جدا معرفة كل واحد منهم، ومع ذلك، في بعض الأحيان فإنني أتواصل مع بعضهم أكثر بكثير من تواصلي مع عائلتي، يحدث هذا مع كل واحد منا، وهو ليس من قبيل المصادفة، فقد صمّمت منصات وسائل التواصل الاجتماعي لجذب اهتمامنا والاحتفاظ به على نحو دائم؛ هي شركات عازمة على كسب المال عن طريقنا».
وفي هذا السياق، تشرح شوشانا زوبوف الأستاذة بجامعة هارفارد في الفيلم الوثائقي «المعضلة الاجتماعية» (The Social Dilemma) -الذي أنتجته «نتفليكس» (Netflix) العام الماضي ولاقى اعتراضات شديدة جدا من قبل شركة فيسبوك حينئذ- أن «وسائل التواصل الاجتماعي تتاجر حصريا بمستقبل الإنسان».
منصات وسائل التواصل الاجتماعي تستغل عواطفنا ورغباتنا واحتياجاتنا الأولية للاعتراف بنا وتقدير ما نقوم به ورغبتنا في إعجاب الآخرين بما نفعل (رويترز)
وتؤكد زوبوف أن منصات وسائل التواصل الاجتماعي تستغل عواطفنا ورغباتنا واحتياجاتنا الأولية للاعتراف بنا وتقدير ما نقوم به، ورغبتنا في إعجاب الآخرين بما نفعل، وكلها دوافع عميقة لنا لتأمين بقائنا ووجودنا في هذه الحياة.
وتشرح زوبوف أن «الاعتراف يتعلق بوظيفتين من الوظائف الأساسية للدماغ؛ هما تجنب الخطر، وإيجاد وسائل لتلبية احتياجاتنا الأساسية للبقاء مثل الطعام والشراب والتزاوج.. وهذه الشركات توظف أذكى المهندسين، وعلماء النفس الاجتماعي، والاقتصاديين السلوكيين، والفنانين لجذب انتباهنا، في حين توزع الإعلانات بين مقاطع الفيديو والصور وتحديثات الحالة؛ إنهم يكسبون المال بتقديم مستقبل يبيعه لك المعلنون».
أو كما يقول جوستين روزنشتاين، الموظف السابق في شركتي فيسبوك وغوغل في الفيلم نفسه، إن «اهتمامنا الوحيد هو المنتج الذي يباع للمعلنين».
وبهذا التعلق واللعب بعواطفنا وعقولنا فإنها تغير عادتنا وأخلاقنا، وهذا أخطر ما في الموضوع، ولكن الأخطر من هذا كله، قدرة هذا الوسائل على تشكيل أخلاق المراهقين والأطفال والأجيال الجديدة، وتأثيرها في صحتهم العقلية.
وفي هذا السياق، قالت الباحثة هيلين لي بويج رئيسة مؤسسة «ريبوت فاونديشن» ( Reboot Foundation) الأميركية، في مقال لها نشرته منصة «يو إس نيوز» (usnews.com)، إن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر تأثيرا سلبيا كبيرا في الصحة العقلية والأخلاقية بين المراهقين، إذ لاحظ الباحثون ارتفاعا في معدلات الاكتئاب بين الشباب، وتغيرا في أنماط السلوك الأخلاقي منذ عام 2012 تقريبا، مع زيادة استعمال وسائل التواصل الاجتماعي بين المراهقين، وزيادة مقدار الوقت الذي يقضونه على شبكة الإنترنت.
وفي وقت سابق من هذا العام، استطلعت مؤسسة «ريبوت فاونديشن» آراء أكثر من ألف أميركي في استعمالهم وسائل التواصل الاجتماعي، ووجد الاستطلاع آثارا مزعجة وخطيرة تهدد الصحة العقلية للمستطلعين.
يجب أن يكون لدى المستعملين وعي أكبر بأهداف شركات التواصل الاجتماعي وكيفية تحقيقها لأهدافها من خلال استغلالها لهم (غيتي)
وتؤكد هيلين لي بويج أن «أساليب استخدامنا لوسائل التواصل الاجتماعي تمثل أزمة صحية وأخلاقية عامة، أعتقد أننا بحاجة إلى الشروع في التعامل مع هذه المنصات مثلما نتعامل مع السجائر والكحول. وهذا يعني تطبيق ملصقات التحذير والقيود العمرية، وإجراء بحث أفضل في الآثار الصحية للاستخدام طويل المدى».
من جهته، يجيب البروفيسور ديون فورستر «لا يمكننا التخلي عن وسائل التواصل الاجتماعي فقد أصبحت جزءا أساسيا من حياتنا، وليس من الضروري التخلي عنها أصلا، ومع ذلك يمكننا التكيف، تماما كما تكيف البشر مع المطبعة والإذاعة والتلفاز، وسنحتاج أن نكون أكثر وعيا بكيفية ارتباطنا وتعاملنا مع هذه الوسائط من خلال تنمية عادات صحية خاصة بكل واحد منا لدى تعامله معها».

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة