الغاز المحروق في البلاد…خسارة سنوية بمليارات الدولارات

الصباح الجديد ـ متابعة :

على عكس التطوّر الذي شهده النفط بعد جولات التراخيص مع الشركات العالمية خلال سنوات ما بعد الغزو الأميركي للبلاد 2003، وزيادة كميات الإنتاج الذي انعكس إيجابيًّا على واردات الدولة؛ فإن هناك أسئلة كثيرة تُطرح بشأن أسباب عدم تكرار هذه التجربة في استثمار الغاز الذي يُحرق منه ما يقدّر سنويًّا ،حسب تقديرات لجان برلمانية- بنحو 18 مليار متر مكعب.
وينقسم الغاز الطبيعي في العراق إلى نوعين: أولهما الغاز المصاحب للنفط، وهو ما يشكل الجزء الأكبر من الثروة الغازية في البلاد، والثاني الغاز الطبيعي الحر، ويتمثل في حقل عكاز بمحافظة الأنبار (غربي البلاد)، وحقل سيبة في البصرة (جنوبا)، والمنصورية في ديالى (شرقا).
بالإضافة إلى الخسائر الاقتصادية التي يسببها فشل تجربة الاستثمار في الغاز واستيراده بنحو 5 مليارات دولار سنويًّا، ومن إيران تحديدًا، وعدم الاستفادة منه في محطات توليد الكهرباء، إذ إن إحراقه يسبب كوارث بيئية بتأثيراته السلبية على المناطق الجنوبية من البلاد، ومنها محافظة البصرة تحديدا.
خسائر إحراق الغاز
جاء العراق ثانيًا بعد روسيا عالميا للسنة الرابعة على التوالي بين أعلى الدول إحراقًا للغاز الطبيعي، حيث تُشير بيانات البنك الدولي إلى أنه أحرق عام 2016 ما مجموعه 17.73 مليار متر مكعب من الغاز، ثم ارتفع ذلك عام 2019 ليصل إلى 17.91 مليار متر مكعب.
ويتناسب ارتفاع نسبة إحراق الغاز المصاحب في العراق طرديا مع زيادة إنتاج النفط، في ظل استمرار معاناة البلاد من الحروب التي شهدتها خلال العقود الأربعة الأخيرة، والتي أدت بدورها إلى تدمير منشآت استثمار الغاز المصاحب التي كان العراق بدأت تشييدها في سبعينيات القرن الماضي.
وأشارت بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن كمية الغاز التي يحرقها العراق يوميا تكفي لإمداد ما لا يقل عن 3 ملايين منزل بالطاقة الكهربائية، التي عجزت حكومات ما بعد 2003 عن معالجة مشاكلها حتى الآن.
ويقدّر الاحتياطي الطبيعي من الغاز العراقي بـ132 تريليون قدم مكعبة -حسب منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)- أُحرق 700 مليار قدم مكعبة منه نتيجة ضعف القدرة على استغلاله، مع بلوغ إنتاجه اليومي من الغاز الطبيعي المصاحب 2.7 مليار قدم مكعبة، ويستهدف وصوله إلى 3.1 مليارات قدم مكعبة، ويقدر بنسبة 1.5 من الاحتياطي العالمي من أوبك، و1.8 للاحتياط العالمي، ويحتل المرتبة 11 عالميا بالنسبة للترتيب الدولي.
وأتلف العراق عام 2020 ما يقدّر بـ18 مليون متر مكعب من الغاز، وإذا حوّلت هذه الكمية إلى البرميل، فإنه يتلف ما يعادل 62% من إنتاجه من الغاز، أي ما يعادل 196 ألف برميل من النفط، أي بما يعادل 45 مليار دولار تقريبا.
ويستغل العراق حتى الآن نصف الكمية من الغاز تقريبا، ويحرق النصف الآخر، ويُكلفه ذلك سنويًّا تقريبا 2.5 مليار دولار، أي ما يعادل 155 مليار متر مكعب يوميا، ويعادل 10 أضعاف ما يستورده من إيران، حسب تقديرات وبيانات جهات معنية.
وبعد إعلانه مؤخرا عن استثمار 1.5 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، رجح وزير النفط العراقي إحسان عبد الجبار أن يصل إنتاج بلاده من الغاز إلى 4 آلاف مقمق (مقمق واحد = مليون قدم مكعبة قياسية)، (أي ما يعادل 4 مليارات قدم مكعبة من الغاز الطبيعي)، قبيل حلول عام 2025، كاشفا عن تنفيذ وزارته 3 مشاريع لاستثمار الغاز في محافظات البصرة وميسان وذي قار (جنوب)، إلى جانب استثمار الغاز في حقل المنصورية بمحافظة ديالى (جنوب شرق) لإنتاج 1.5 مليار قدم مكعبة.
الخطأ الأول ويُمكن عدّ توجه العراق نحو الشركات الأجنبية الاستثمارية في مجال استخراج النفط خلال أعوام 2009-2019 من دون الالتفاف الى استخراج الغاز المصاحب بالخطأ الأول، في ظل وجود 5 جولات تراخيص؛ 4 منها تتعلق بالاستخراجية، والخامسة منها فقط كانت تخصّ الغاز، وجاءت في 2017، لكنها خطوة يصفها الخبير النفطي بلال الخليفة “بالمتأخرة”، محملا السياسة النفطية العراقية مسؤولية تأخر استثمار الغاز المصاحب.
ولاستثمار الغاز المصاحب 3 جوانب: الأول منها يتعلق بالناحية الاقتصادية بتوفيرها موارد ودخل لميزانية الدولة في حدود 2.5 مليار دولار سنويًّا. والجانب الثاني اجتماعي بتشغيله الكثير من الشباب العاطلين عن العمل في حال تمت تهيئة محطات معالجة الغاز. أما الثالث فبيئي، لو حسبنا كمية الكربون المنبعث في الجو، الذي يقدّره الخليفة بنحو 150 مليون طن، والاحتراق يلوث الهواء مع سخونة المنطقة، وتحديدا المناطق الجنوبية. وعن أبرز الخطوات الواجب اتخاذها من الدولة لاستثمار الغاز المصاحب، يدعو الخليفة، الحكومة العراقية إلى تقديم استثناءات للشركات الأجنبية لتستثمر في هذا الغاز بالعقود والقرارات والإعفاءات الضريبية بمُغريات أكثر مما هي موجودة الآن، مع ضرورة إلغاء البيروقراطية الإدارية، وتغيير صيغة العقود وجعلها عقود مشاركة، بدلا من خدمة.
ولأن وزراء حكومات ما بعد 2003، وتحديدا في وزارتي النفط والكهرباء، لم يكونوا أكاديميين وعلميين، مع غياب إستراتيجية واضحة لديهم بامتلاكهم أفكارا كلاسيكية وحصرها في زيادة إنتاج النفط، بعيدا عن استثمار الغاز لبيع أكبر كمية لتأمين إيرادات أكثر للدولة؛ واجه القطاع الغازي صعوبات كبيرة في تطوير استثماراته، ووصل إلى ما هو عليه اليوم، كما يقول عضو لجنة النفط والطاقة والثروات الطبيعية في البرلمان العراقي غالب محمد.
ويتساءل عن أسباب عدم إنتاج العراق الغاز الطبيعي الموجود في الحقول النفطية والغازية مع إمكانية استخدامه لتوليد الكهرباء بعد تصفيته، مؤكدا أن الدولة بإمكانها توليد 5 إلى 6 آلاف ميغاوات من الكهرباء في حال وضعت خططًا إستراتيجية تسهم في استثمار الغاز لا تدميره. ويحتاج العراق في ذروة ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف وانخفاضها في الشتاء إلى أكثر من 22 ألف ميغاوات، مع وجود محطات لتوليد الكهرباء بنحو 19 إلى 20 ميغاوات، لكن المشكلة الأساسية في العراق تكمن في الوقود المستخدم مع الغاز المستورد، الذي ينعكس سلبا على بيئة العراق، كما يقول محمد. بالإضافة إلى ما ذُكر، يعدّ فشل العراق حتى الآن في استثمار الغاز المصاحب أحد الألغاز التي تبحث عن حلول حتى الآن، بوجود كل التعاقدات التي أُعلن عنها مع الشركات النفطية العملاقة، ليفكّ هذا اللغز بربطه بالجانب السياسي المتغلّب على الجانب الاقتصادي، كما يرى الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني.
ويستغرب المشهداني من دفع العراق سنويًّا عدّة مليارات لاستيراد الغاز من إيران، وعدم تشغيل محطات الغاز فيه، محذرًا في الوقت ذاته من تعرّض البلد لعقوبات أممية لاحقة نتيجة الآثار السلبية من التلوث البيئي بسبب إحراقه الغاز.
وعن احتمالية أن يشهد هذا القطاع تطوّرا خلال الفترة المقبلة أو السنوات القادمة على الأقل، يربط المشهداني انفتاح هذا القطاع نحو الاستثمار بالانتخابات المقرر إجراؤها في تشرين الأول المقبل.
وقد يكون هناك أمل بأن يقوم رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بخطوات تسهم في تطوير قطاع الغاز في حال تأجلت الانتخابات 6 أشهر أخرى مثلا، أو أعيد انتخابه لرئاسة الحكومة لبدء المشاريع وليس تشغيلها فحسب.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة