جولة شعرية

-1-
الشاعر البارع لا يكتب – في الغالب – مذكراتِه في كتاب ، وانما يكتبها بالقوافي ..!!
وقد يتعرض الى مفردات هامشية لا يَقِفُ عندها الآخرون، فالشاعر (أسامة بن مرشد) – وهو من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر المتوفى سنة 584 – قال حين قَلَعَ ضِرْسَه :
وصاحب لا أملُ الدهرَ صُحْبَتَهُ
يشقى لِنَفْعي ويسعى سَعْيَ مُجْتَهِدِ
لم أَلْقَهُ مُذْ تصاحَبْنا فَمُذْ وقعتْ
عيني عليهِ افترقنا فرقَة الأبدِ
ولا تملك وأنت تقرأ هذين البيتين الاّ التسليم له بالمهارة والابداع .
-2-
ونسب للمستنجد بالله (العباسيّ) المتوفى سنة 563 هـ
هذان البيْتان يصف فيهما بخيلا :
وباخلِ أَشْعَلَ في بَيْتِهِ
تكرمةً منّهُ لنا شَمْعَهْ
فَمَا جَرَتْ مِنْ عَيْنِها دمعةٌ
حتى جرتْ مِنْ عَيْنِه دَمْعَهْ
والبيتان يكشفان عن شدة بخل صاحب الشمعة .

-3 –
وللسهيلي (عبد الرحمن بن عبد الله ) الأندلسي ت 581 هـ أبيات مشهورة في المناجاة يمكن اعتبارها من السهل الممتنع :
يا مَنْ يرى ما في الضمير ويَسْمَعُ
أنتَ المُعَدُ لِكُلّ ما يُتوقعُ
يا مِنْ يُرّجى للشدائد كُلِّها
يا مَنْ اليه المشتكى والمَفْزَعُ
يا مَنْ خزائنُ رِزْقِهِ في قولِ كُنْ
امنُنْ فانّ الخير عندكَ أَجْمَعُ
مالي سوى قرعي لِبابِك حيلةٌ
فَلِئْن رددتُ فايّ بابٍ أَقْرَعُ
مالي سوى فقري اليك وسيلةٌ
وبالافتقار اليك فقريَ أَدْفَعُ
من ذا الذي أدعو واهتفُ باسمِهِ
انْ كان فَضْلُك عَنْ فَقِيرِك يُمنعُ
حاشا لمجدك أن تُقّنِطَ عاصياً
الفضلُ أجزلُ والمواهبُ أوسعُ
انّ الله سبحانه جواد كريم وهو واسع العطاء ،
فالتضرع والانقطاع اليه عزُّ وكرامة، بينما التضرع للمخلوقين مهانة وندامة ،
وهو – جَلَّ شأْنُه – أمرنا بدعائه وسؤاله، ونحن نقرع باب كرمه وجوده فَيُسبغُ علينا مِنْ النعمِ والآلاء ما نعجز عن أداء شكره
وفي هذا المعنى قال القاضي الأعزّ ت 567 هـ – :
فانْ أَلَمَّتْ بكَ الرزايا
أو قرعَتْ بابَكَ الخطوبُ
فَجانِبِ الناسَ وادعُ مَنْ لا
تكشفُ إلاّ بِهِ الكُرُوبُ
مَنْ يسأل الناسَ يحرمُوهُ
وسائِلُ اللهِ لا يخيبُ
-4-
والآن قارن ما قاله القاضي الأعزّ بما قاله البارع الدباس (ت 524 هـ ) الذي سأل الناس فأتعبوه وملأوا قلبه قَيْحا :
قال :
أفنيتُ ماءَ الوَجْهِ مِنْ طُولِ ما
أسألُ مَنْ لا ماءَ في وَجْهِهِ
أنُهي إليه شرحَ حالي الذي
يا ليتَنِي مِتُّ ولم أُنْهِهِ
فلم ينلني كرماً رفدُهُ
ولم أكدْ أسلمُ مِنْ جَبْهِهِ
والموتُ مِنْ دهرٍ نَحَارِيرُهُ
ممتدةُ الأيدِي الى بُلْهِهِ
نعم
لا خير في عيش يضطر معه أرباب الفطنة لسؤال البُلهاء، لا لشيء الاّ لأنهم اكتنزوا الأموال، فيما عانى اللامعون من الضيق والحرمان .
-5-
ويدعو أبو محمد (عبد الله بن محمد الاندلسي ت 521 هـ ) الى الاقبال على العلم ويشير الى أنّ العلم حياةٌ لا موت معها، ولكنَّ الجهل هو الموت المعجّل :
فيقول :
أخو العلم حيٌّ خالدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ
وَاَوْصالُهُ تحتَ الترابِ رميمُ
وذو الجهل مَيْتٌ وهو ماشٍ على الثَرى
يظنُ مِنْ الأحياءِ وهو عَدِيمُ
وفي هذا المعنى قال آخر :
لا تُعْجِبَّنَّ الجهولَ حُلَتُهُ
فذاكَ مَيْتٌ وثوبُهُ كَفَنُ
-6-
ومن الشعر الأخلاقي قول الشاعر :
اذا شئتَ أنْ تحيا ودينُك سالِمٌ
وحظُك موفورٌ وعِرْضُك صَيِّنُ
لسانك لا تذكرْ به عورةَ امرئٍ
فعندك عورات وللناسِ أَلْسُنُ
وعينكَ إنْ ابدتْ اليك مَعايِبَاً
لِقَوْمٍ فقل : ياعَيْنُ للناس أَعْيُّنُ
وصاحِبْ بمعروفٍ وجَانِبْ مَنْ اعتدى
وفارقْ ولكنْ بالتي هي أَحْسَنُ
ولن يسلم من ألسن الناس أحد ، غير ان اصحاب العفّة هم الفائزون .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة