كرم نعمة
عندما اختارت سيدة البيت الأبيض جيل بايدن، الشاعرة السوداء أماندا غورمان لإلقاء قصيدة في حفل تنصيب زوجها شتاء العام الحالي. كانت تطمح إلى أن تجعل من القصيدة رسالة سياسية لبلد مأزوم انتخابيا ويعيش أجواء سامة.
استقطبت أماندا مثل قصيدتها الانتباه وكأنها تعيد جملة الشاعر الألماني فريدرش هولدرلين “ما يبقى يؤسسه الشعراء”، بينما كانت الولايات المتحدة تعاني من تصلب شرايين سياسي تسبب به الرئيس السابق دونالد ترامب.
تحوّلت بعدها أماندا الصغيرة بقبعتها الحمراء إلى أيقونة شعرية وترجمت قصيدتها إلى العشرات من اللغات بعد أن أسرت الملايين في مختلف دول العالم بحركاتها الرشيقة وإلقائها الشعري الباعث على الدفء في نهار أميركي بارد.
ليس معروفا إن كان الرئيس جو بايدن شريكا لزوجته في هذا الاقتراح على منظمي حفل التنصيب كي يجعل العالم برمته يستمع لقصيدة أماندا “التلّ الذي نتسلّقه” وبعد أيام من اقتحام جموع الغوغاء مبنى الكونغرس.
اكتشفنا لاحقا أن القصائد لا تكتفي بكونها تلج قلب وخيال بايدن، إنه يتعمد استخدامها كرسائل سياسية.
قبل شهر عندما التقى عددا من جنود بلاده وأسرهم في بريطانيا، استعان بقصيدة يحفظها للشاعر الأيرلندي ويليام بتلر ييتس تعود إلى عام 1916، في مفاجأة تخالف التقاليد السياسية في الولايات المتحدة، فعندما يحظر التاريخ في استعارات الرؤساء الأميركيين، فإن الشعراء آخر ما يمكن توقع حضورهم.
وكما يبدو أن القصيدة نفسها لها دلالة عميقة بما يؤمن به بايدن، لذلك أعادها عند استقباله العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الأسبوع الماضي.
ربما كانت مفاجأة لوسائل الإعلام العربية، لكن تكرار بايدن نفس القصيدة التي ألقى مقاطع منها أمام جنود من قوات بلاده المتمركزة في بريطانيا خلال مشاركته الشهر الماضي بقمة السبع الكبار في مدينة كورنوال، تؤكد أن الرئيس الأميركي مأخوذ بالعمق الحسي الكامن في هذه القصيدة تحديدا، والتي يرى فيها الرسالة المعبرة سياسيا عما يروم له.
هكذا يرى بايدن مثل الشاعر ييتس أحد أجداده الأيرلنديين أن
كل شيء تغير
تغير تماما
لقد ولد جمال رهيب
الكثير قد تغير وهناك الكثير من الفرص
ولكن أيضا هناك الكثير من الصعوبات التي سنضطر إلى شق طريقنا عبرها
لا يتردد الرئيس الأميركي بالاعتراف أنه أسير الشعر، ربما لأنه أفضل وسيلة للتغلّب على التلعثم الذي عانى منه في طفولته.
وقد أٌقتُبِس مرارا من أعمال شيموس هيني، الشاعر والكاتب المسرحي الأيرلندي الحائز على جائزة نوبل الذي كان مصدرا لسياسيين كبار في الاقتباس، إلا أن اهتمام بايدن بهيني يتعمق أكثر. مثل اهتمامه بييتس الذي اتخذه مصدرا دبلوماسيا أمام العاهل الأردني.