بغداد – سمير خليل:
اليونان، مهد حضارة الاغريق ورمز التاريخ والغور في اعماقه، منذ نشأتها وهي تتبوأ مكانة خاصة بين دول العالم اذ اشتهرت بتاريخ وبريق حضارتها فصارت قبلة انظار العالم الذي كان يعتبرها جنة من جنان الارض.
تمتعت اليونان بفسحة سياحية حيث كان يؤمها الألاف من السواح والزائرين للتمتع بأصالة أرضها وإرثها، وما تمتلكه من أماكن حضارية وأثرية مثل الاكروبولس التي تشمخ اعمدتها وسط العاصمة اثينا والتي تعتبر جوهرة من جواهر التاريخ التي شهدت أحداثا تاريخية مازالت تطرز سفر التاريخ الانسانين الاكروبولس الذي يعد من أشهر المعابد اليونانية القديمة وكلمة أكروبوليس هي كلمة يونانية قديمة تعني المدينة.
عاشت اليونان تحت الحكم العثماني مدة تقارب أربعة قرون (من القرن الخامس عشر حتى أوائل القرن التاسع عشر)، وحينما ضعفت الدولة العثمانية طفقت اليونان تحرر أراضيها من النفوذ العثماني تدريجيا حتى وصلت إلى الشكل المعاصر لخارطة الدولة كما نراها اليوم.
وحتى الى ما قبل سنوات كانت اليونان قبلة سياحية عامرة يزورها سنويا لتكسو بشرتهم سمرة شمسها المعتدلة وليتجولوا بين آثارها، ورغم أن اليونان انضمت إلى الاتحاد الأوروبي في عام 1981، واعتمدت اليورو في عام 2001 في الوقت المناسب لتكون من بين الموجة الأولى من البلدان التي تطلق العملات الورقية والعملات المعدنية لليورو في 1 كانون الثاني 2002 الى أن ذلك الامتياز لم يشفع لها أمام الازمة الاقتصادية التي ضربتها.
واليوم تشير التقارير الى مئات من مناطق وقرى اليونان باتت خاوية من السكان وسط أزمة ديموغرافية حادة وتشير آخر التقديرات المتاحة الى وجود قرابة 200 قرية مهجورة بالكامل، تعرضت اليونان الى أزمة مالية عام 2009 وبعد 15 سنة اصبح نصف السكان يعيشون في العاصمة اثينا، هاجر اكثر من 9% من القوى العاملة خارج اليونان وهو ما يعادل 400 الف شخص وتتوقع الحكومة تراجع عدد السكان من 10 ملايين الى سبعة ونصف ملايين نسمة في 2050، اعلنت الحكومة عن برنامج بقيمة عشرين مليار دولار للإنفاق على البرامج التحفيزية والتشجيع على الولادات، يتناقض الانحدار السكاني مع الازمة الاقتصادية اذ تشير التقديرات الى نمو الاقتصاد بنحو 2.2% هذا العام.
ولعل ما يعزز الأزمة في اليونان هو ما يعرف بأزمة الدين الحكومي اليوناني وهي أزمة مالية عصفت بالاقتصاد اليوناني في أبريل 2010 حينما طلبت الحكومة اليونانية من الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي تفعيل خطة إنقاذ تتضمن قروضا لمساعدة اليونان على تجنب خطر الإفلاس والتخلف عن السداد وكانت معدلات الفائدة على السندات اليونانية قد ارتفعت إلى معدلات عالية نتيجة مخاوف بين المستثمرين من عدم قدرة اليونان على الوفاء بديونها لاسيما مع ارتفاع معدل عجز الموازنة وتصاعد حجم الدين العام، هددت الأزمة اليونانية استقرار منطقة اليورو وطرحت فكرة خروج اليونان من المنطقة الاقتصادية إلا أن أوروبا قررت في نهاية المطاف تقديم المساعدة إلى اليونان مقابل تنفيذها لإصلاحات اقتصادية وإجراءات تقشف تهدف إلى خفض العجز بالموازنة العامة.
وبسبب ضعف الاقتصاد وتردي أحوال البنية التحتية اضطرت اليونان إلى السعي للحصول على قروض من الدول الأوروبية، وقد حصلت بالفعل على أول قرض من بريطانيا بعد الاستقلال عام 1823، بعدها حصلت على قروض أخرى خلال مراحل متتالية.
وأعلنت اليونان عن عجزها عن الإيفاء بالتزامات الديون وأعلنت إفلاسها أربع مرات: في السنوات 1827، 1843، 1893، 1932، وتكاد تكون أسباب عجز اليونان عن الإيفاء بمستحقات ديونها في المرات السابقة هي نفس الأسباب التي أدت إلى عجز اليونان عن الإيفاء بمستحقات ديونها حاليا، والتي قد تقودها إلى الإعلان الرسمي عن الإفلاس للمرة الخامسة بعد استقلالها.
ولعل اليونان التي كانت تعد جنة من جنان السياحة العالمية الا أن أزمتها تؤكد بما لا يقبل الشك أن المال والاقتصاد، هما عماد الدول وبعكسها تنهار أعتى هذه الدول رغم كل ما تمتلكه من حضارة وتاريخ وطبيعة ساحرة.
من قبلة للسياحة الى بلد منهك اقتصاديا.. اليونان ..مدن أشباح وتغيير ديموغرافي
التعليقات مغلقة