أشهد ان الرجل كان أحرص الشلة على متابعة الجديد ، ورصد أخبار الأدب والأُدباء ، لايفارق الكتاب حقيبته ، ولاتخلو يده من صفحة ثقافية في جريدة أو مجلة ..يقرأ بإمعان وتأن ، وفي ذلك كله لايغفل عن تأشير جملٍ أو عبارات او افكار تتسم بالغرابة او الجدة او الجرأة …ثم يحفظ عن ظهر قلب ما يستحق الحفظ من وجهة نظره ، وما يعينه على الاستشهاد به في أي حوار أو نقاش ؟!
أفبعد هذه الميزات كلها ولانجعل منه زعيم الشلة ، ولانرى بعد رأيه رأياً، وننظر الى قوله على انه الحد الفاصل بين الحق والباطل .. ويحضرني الآن برغم حفنة العقود التي انصرمت قوله في رواية ( اولاد حارتنا) ، ان الادب العربي لم ينجب رواية مثلها من قبل ، ولن ينجب بعدها عملاً بمثل هذا الاسلوب والفكر، فأخذنا برأيه من دون اعتراض مع ان اغلبنا لم يكن مقتنعاً ، فانا اصغر افراد الشلة شأناً كنت افضل عليها زقاق محفوظ وثلاثينيه وأرى في (الثرثرة والسمان والشحاذ والكلاب) مثلاً من عناصر الفن الروائي ما يتفوق على « اولاد حارتنا» المصنوعة فكراً والمتكلفة رموزاً والضعيفة صياغة وفناً !!
ومرة قال في (مئة عام من العزلة) كلاماً مماثلاً بحيث وصفها ( رواية لم يصدر أعمق منها او اجمل ، ولن يصدر) ..الآن وقد مضت على رأيه قرابة خمسة عقود أو يزيد ، وقد اشتد عودي وتحررت من سطوته ، أرى في المئة عام رواية مذهلة ، ولكنها ليست أعظم شأناً او منزلة من صخب فوكنر أو موسم الهجرة أو الجحيم أو الوضع البشري أو دروب الحرية أو المسيح يصلب من جديد أو الدون الهادئ او .. او .. بل ان بعض الاعمال الروائية تتفوق مئة مرة على (مئة ماركيز) و .. ولعل اكثر مانحن بحاجة اليه هو احترام آراء الاخرين واحكامهم ، ولكن الاخذ بها وكأنها احكام سماوية جريمة بحق الادب والنقد وانفسنا قبل ذلك …
حسن العاني