اسألْ نفسك..

-1-
جاء في التاريخ :
انّ الحجاج بن يوسف الثقفي وهو السفاح الفاتك – أراد أنْ يظهر للناس حُبّه لهم فأمر بأنْ يُمد سماط عام للناس ،
فجعلوا يأكلون ، وهو ينظر اليهم ، وراى فيهم أعرابيّا يأكل بِشَرَهٍ شديد، فلما جاءت الحلوى ترك الطعام ، ووثب يُريدها ،
فأمر الحجّاج سَيَّافَهُ أنْ ينادي :
مَنْ أكل هذه الحلوى ضربتُ عُنُقَه فصار الاعرابي ينظر الى السيّاف مرّة، والى الحلوى مرّة ..
وكأنه يخيّر نفسه بين الموت والحياة فانْ أكل الحلوى ضُربتْ عنقه ، وانْ تركها سِلَمَ ،
ثم توّجه الاعرابي الى الحجّاج بالقول :
أوصيكَ بأولادي خيراً ،
وهجم على الحلوى يأكل بِكُلّ نهم ..!!
-2-
لم يستطع الحجاج اللعين أنْ يتخلى مِنْ أوامِرِهِ بضربِ الاعناق والقتل حتى حين دعا الناس الى الطعام، وليس ثمة مَنْ يرتضى مِنْ أحدٍ أنْ يقتل أضيافه وهم على مائدته، ولكنه الحجّاج الذي لا يتلذذ بشيء كما يتلذذ بازهاق الاوراح ،وهو هنا يكشف عن نزعته الاجرامية بكل صراحة ووضوح .
كما يكشف عن صلفه ووقاحته ،
وهكذا هم الظالمون في كل عصر ومكان …
-3 –
والكثيرون منّا يستغربون أشد الاستغراب مما صنعه الأعرابي ،
وفي رأيهم انه باع عَقلُه وحياتَهُ مِنْ أجل الحلوى التي كان يشتهيها ، فضرب أكبر الأمثلة على فقدان السيطرة على النفس والانحدار الى الهاوية .
والسؤال الآن :
هل كان هذا الأعرابي وحيداً في هذا المنزلق ؟
أم أنّ هناك من يشبهه في الأفعال ولكنّه يبرئ نَفْسَه مِنْ كُلّ تُهْمَةٍ ؟
والجواب :
انّ عقاب الاستجابة للشهوات، والرغبات المحمومة، والسلوك المغموس بالعصيان والجحود، هو النار، ومع ذلك كله تجد مَنْ يُغمض عينيه عن النظر الى ذلك، ويُقبل على اجتراح المعاصي مُفضلاً لذاذاتِها على كُلّ شيء آخر، وناسيا أنه بذلك انما ينال حَتْفَهُ بنفسه .
أمثلة :
هل نسي تاركُ الصلاة متعمداً أنه يُساق الى الجحيم ؟
قال تعالى حاكّياً جواب أهل النار عن سؤالٍ يوجه اليهم بسبب دخولها :
( ما سَلَكَكُمْ في سقر قالوا لم نَكُ مِنَ المُصلين )
المدثر /27
هل نسيَ الناهبون لأموال اليتامى والمساكين أنهم ( يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً )
النساء /10
وهل نسي المُرابون الذين لا يتلذذون الاّ بامتصاص دماء المحاويج ما ينتظرهم مِنْ عقاب أليم ؟
هل نسيَ الذين يمارسون عملياتِ الاغتصاب والانتهاب للمال الحرام ما ينتظرهم من العقوبة الالهية الصارمة ؟
هل نسيَ المعتادون على أكل لحوم الناس بالغِيبه انّهم من أهل النار ؟
هل نسي المذبذب ذو الوجهين ما ينتظر المنافقين مِنْ العذاب ؟
قال تعالى :
( انّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار )
النساء /145
ويطول بنا المقام لو استرسلنا في ضرب الامثلة
والمهم :
انّ الشقيّ – كما قال الرسول (ص) – مَنْ حُرِمَ غفرانَ الله في هذا الشهر العظيم
وهكذا يوّفر لنا هذا الشهر العظيم الفُرصةَ لاصلاح أنفسنا، والانابة الى ربنا والاقلاع عن اجتراح المويقات والسيئات .
انّه شهر الاستغفار والتوبة ، كما انّه موسمُ العتق من النار .
اللهم اعتق رقابنا من النار، ووفقنا للتوبة والانابة، واغفر لنا وارحمنا انّك انت الغّفار الرحيم .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة