السيسي وكمائن «الديمقراطية الشكلية»

في اقل من عام تحول الجنرال المصري عبد الفتاح السيسي الى رمز للجدل السياسي في مصر، بل في العالم بأسره بالأحرى. وتناوله الجميع كل من الزاوية التي ينظر اليها ويستشرف التطورات في بلد كبير وخطير الموقع والمكانة الجيوسياسية.
ومن الناحية المحلية ـ اي المصرية ـ نقل السيسي نكهة الثورة المصرية على نظام مبارك بنحو مبكر. فهو بما عرف عنه من خبرة في ملفات الأمن وفلسفتها، عرف اين هي مواضع الخطوط الحمر في المشهد الميداني والسياسي المصريين.
اما من الوجهة العامة في الممارسة السياسية ودراسة المظاهر المتصلة بالدولة العالمثالثية فقد جسّد السيسي الفكرة الجوهرية المستحصلة من خبرات الدول النامية في تلفيق الديمقراطيات عبر التمسك بشكليات الممارسة البرلمانية كالانتخابات والاستفتاءات وما بعدها وقبلها. فالمفهوم الشائع لدى الكثير من الشرائح الاجتماعية عن النظام الديمقراطي انه نظام يرتكز على حق الفرد او المواطن في الإدلاء بصوته في الانتخابات. اي ان الممارسة الانتخابية وحدها عُدّت مقياساً منهجياً للنوع السياسي الديمقراطي، وهذا ما اشاع وهماً قاتلاً سمح للسفاحين والفاشيين والنازيين والدكتاتوريين في الخوض في بحر السياسة من دون خوف او جزع.
ومن هذا الباب جاء لالمانيا النظام الهتلري ولإيطاليا النظام الفاشي وللعراق نظام صدام ولمصر نظام السادات ومن بعده مبارك وحواليها نمت الدكتاتوريات العسكرية وتغذت وسمنت من بقائها في السلطة مستندة الى شرعية افتراضية تناقض وتعارض روح العملية الديمقراطية كما في حال نظام زين العابدين بن علـي في تونس ونظـام البعـث في سوريا والنظام السوداني بزعامـة الجنـرال عمـر البشيـر.
وافضى هذا التكريس المقصود من قبل الدكتاتوريات الجديدة الى اثارة التباسات عميقة في عين المراقب الدولي والمحلي على السواء واسهمت نظم الرقابة والمنع والتقييد على الحريات العامة للمواطنين في هذه البلدان في اطالة عمر هذا الوهم الخطير ومنحت الفاشست والعسكرتاريا التقليدية فرصة بعد اخرى للبقاء على دست السلطة لعقود من الزمن.
بل ان النسخ المحسنة عن مثل هذه الأنظمة كنظام كمال اتاتورك ومحبيه او مقلديه في ايران الشاه والباكستان وغيرهما لم تتمكن في نهاية المطاف وبعد عقود من الحكم من الانسجام مع المد العالمي والتيار المتقدم لنظام الحكم الديمقراطي المتنور القابل للتطور الذي طورته التجارب الغربية في الأساس. ولم تنفع الأصباغ الكثيفة وطبقاتها المتجددة في تحسين وجه هذه الأنظمة الهجينة الشوهاء لسبب اساسي وهو أنها لم تكن تلبي الشرط الأساسي للحياة البشرية وهو: حرية الممارسة البشرية للناس وحرية التفكير والتعبير.
ويجيء السيسي كأنموذج مجسد للمعضلات المرتبطة بتزوير الديمقراطية وردّ فعل المجتمعات عليها. هذه المجتمعات التي لم تعد تستسيغ استمرار الزيف الكبير والرطانة المجوفة للدكتاتوريين ومغتصبي حقوق الشعوب. إذ إنه جاء من رحم النظام القديم وخبر الألاعيب التي اعتادت افواج الانتهازيين السائرين في ركبه التذرع بها. ولهذا يمكننا ان نقول: ان بروز « ظاهرة السيسي» انما تدشن افقاً جديداً في التعاطي والتعامل مع الرطانة الديمقراطية قد لا يسبر غور هذا الافق للوهلة الأولى او يرتقي بحركة او حدث احادي الى مصاف المسلمات. ويمكن ان ندلل على ذلك بالارتباك المنهجي السائد في صفوف المفكرين العرب المرتبطين بالظاهرة الدكتاتورية ومداراتها ومختبراتها اللفظية والمفهومية من مسألة تعريف ما الذي يمثله السيسي من حقائق؟ بل ان الارتباك الأوسع يصل الى حد الموقف الرافض له تماماً حتى من مفكرين ليبراليين وماركسيين ومتنورين في الظاهر في حين تنادي اصوات قليلة من هذا القطاع بشرعية الأطروحة الجديدة التي جاءت بها حركة السيسي بعزل الرئيس المصري محمد مرسي برغم انه من الناحية الشكلية الديمقراطية منتخب انتخاباً معترفاً به.
ويمكننا القول: ان حالة السيسي المستجدة تطرح من جديد الجدل بشأن المضمون الحقيقي للشرعية الدستورية والشعبية والاختيار بينهما والنقطة الفاصلة في عدّ اي منهما يعلو على الآخر ولأي منهما احقية اخلاقية او اجتماعية.
فالشرعية الدستورية بشكلها المجرد تبدو بعيدة عن تبرير اي اعتبار للشرعية التي تعكسها ارادة الناس واحساسهم وخوفهم من مستقبل السلوك الذي يطرحه رئيس منتخب على مستقبل البلاد. ولا يقلل من مخاطر بقاء الرئيس السابق مرسي انه جاء ضمن حالة انتخابية ارقى من حالة انتخاب الرئيس زين العابدين بن علي او حافظ وولده بشار او صدام حسين او الرئيس اليمني علي عبد الله صالح الآتين عبر صناديق اقتراع ممهورة بسمات تزييف لا يخفى على الناس.
لا شيء يمكن ان يبرر السماح بمرور الدكتاتوريات بحجة التزام الشكل السياسي الفاقد للمضمون الإنساني والأخلاقي العميق، وهو مضمون يسعى المزيفون الى التملص منه ويتمسكون بجائزة الرئاسة التي حصلوا عليه ضمن مناخ محتقن بالالتباسات. وكلنا يتحسر عندما ينظر الى الماضي على الفرص السانحة لقطع الطريق على الدكتاتور قبل استفحال نفوذه كما صار الأمر في حال صدام حسين وامثاله. وكيف عبّر عشرات القادة السابقون عن اسفهم وندمهم من غفلتهم عن المخاطر الكامنة وراء السكوت عند اللحظة الزمنية المناسبة لتجنب مذابح ومآسي ومجازر وحروب ومجاعات وكوارث خلقها الدكتاتور واستمرأها تدريجاً.
من هنا ستبقى اللحظة التي تمرق منها مصر العزيزة، سواء ترشح السيسي لرئاسة مصر ام لا، الى المستقبل، لحظة بالغة الأهمية للمفكرين والمواطنين على حد سواء. وستكون اول انعطافة جوهرية في سلسلة انعطافات لازمة من اجل تصحيح مسار النظام الديمقراطي العربي وتحويله الى نظام انساني اولاً.
المشيـر
عبد الفتاح السيسي
القائد العام للقوات المسلحة المصرية ووزير الدفاع والإنتاج الحربي منذ 12 آب 2012م، هو أول وزير للدفاع عقب ثورة 25 يناير 2011م. ولد المشير “عبد الفتاح سعيد حسين خليل السيسي” يوم 19 نوفمبر 1954م في القاهرة، حصل على بكالوريوس العلوم العسكرية 1977م، كما حصل على ماجستير العلوم العسكرية من كلية القادة والأركان 1987م، ومن كلية القادة والأركان البريطانية 1992م، بالإضافة إلى زمالة كلية الحرب العليا من أكاديمية ناصر العسكرية العليا 2003م، وزمالة كلية الحرب العليا الأمريكية 2006م، هو متزوج ولديه ثلاثة أولاد وبنت.
تدرج “عبد الفتاح السيسي” في عدد من المناصب العسكرية حيث عمل في سلاح المشاة، وتولى جميع الوظائف القيادية فكان رئيس فرع المعلومات والأمن بالأمانة العامة لوزارة الدفاع، وقائد كتيبة مشاة ميكانيكي، وملحق دفاع بالمملكة العربية السعودية، وقائد لواء مشاة ميكانيكي، كما رئس أركان المنطقة الشمالية العسكرية، حتى أصبح قائد المنطقة الشمالية.  وتولى “السيسي” منصب مدير إدارة المخابرات الحربية والاستطلاع، وكان أصغر أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة حتى أصدر الرئيس “محمد مرسي” في 12 أغسطس 2012م قرارًا بترقيته من رتبة لواء إلى رتبة فريق أول وتعيينه وزيرًا للدفاع وقائدًا عامًا للقوات المسلحة، خلفًا للمشير محمد حسين طنطاوي. نال خلال مشواره العسكري العديد من الميداليات والأنواط العسكرية .
عبد الفتاح السيسي” هو أول من اعترف بأن أفراد القوات المسلحة يجرون ما يسمى بكشوف العذرية، والتي بررها بكونها تحمي الفتيات من الاغتصاب والجنود من الاتهام بالاغتصاب، كما قام بمهاجمة عنف الأمن في التعامل مع المتظاهرين مؤكداً ضرورة تغيير الأمن لثقافته في تعامله مع المواطنين وضرورة حماية المعتقلين وعدم تعرضهم للتعذيب.
اعتمد السيسي على الغضب الشعبي، ليقيل محمد مرسي، بعد تجربة قصيرة ومخيبة له ولجماعة الاخوان في حكم مصر، وكان يردد باستمرار أنه ينصاع لإرادة الشعب، و يتحرك باسمه، حيث أصبح في أعين الكثيرين بطلا قوميا، بعد إقالة محمد مرسي واعتقاله مع ابرز قيادي الجماعة. منحه الرئيس المصري المؤقت عدلي منصور رتبة مشير. وهو اليوم يمتلك اعلى الحظوظ للفوز بمنصب الرئاسة في الانتخابات المقرر اجراؤها في شهر آيار المقبل.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة