لدي حلم

بكل تأكيد حلمي هذا لا يتجرأ على الاقتراب مما داعب عقل وضمير اسطورة النضال من اجل الحرية ومواجهة التمييز العنصري مارتن لوثر كينغ صاحب العبارة المشهورة “لدي حلم”. فأنا وغالبية المحكومين في العيش والوجود على تضاريس هذا الوطن المبتلى بحيوية القوافل المنحدرة اليه من مغارات القرن السابع الهجري؛ أجبرتنا الاوضاع وقسوة الأقدار على خفض سقف احلامنا الى مستويات، تتناسب وحجم الهزائم والتنازلات الهائلة التي عرفها العراقيون في العقود الخمسة الأخيرة (ثلاثة عقود ونصف مع النظام المباد وعقد ونصف مع شيوخ وقراصنة حقبة الفتح الديمقراطي المبين). قد يبدو حلمي فنطازياً وبعيد تماماً عن الواقع، لانعدام اية فرصة كي يتحول الى واقع، لكنه يبقى حلماً مشروعاً في مثل هذه الاوضاع الغرائبية التي يمر بها البلد، مع انعدام أدنى مؤشر على وجود إمكانية للتغيير الايجابي على المدى المنظور، لا سيما وان الدورات الانتخابية برهنت وبما لا يقبل الشك على ديناميكيتها بالانحدار بنا الى أطوار لا يدرك أعماقها حتى الراسخون في علوم الصناديق وملحقاتها من المفوضيات والمدونات والتشريعات.
مع فنطازية هذا الحلم وتنافره والحقوق الاساسية التي تمحنها الديمقراطية لمؤسساتها، وعلى رأسها السلطة التشريعية والرقابية الاولى (البرلمان)، إلا انه (أي الحلم) مترع بالحرص والانتماء الى الغاية الاساسية التي وجدت من اجلها هذه المنظومة الحداثوية والراقية (النظام الديمقراطي) لألا وهي انتشال المجتمعات من نظم وعقائد وسرديات الذل والعبودية والتشرذم والانحطاط، الى حيث النهوض والتقدم والازدهار.
حلمي متواضع جداً هذه المرة، وهو مسكون لا بالخلاص من هذه الطبقة السياسية الفاشلة، بل بنوع من ترشيد العمل معها، ما دمنا عاجزين عن صنع بدائل عنها وسيقتصر على مطلب واحد وهو؛ نزع سلاح التشريع وإصدار القوانين منها، وليمارسوا بعد ذلك كل ما يخطر ببالهم من فرهدة للحقوق والمسؤوليات والامتيازات، عسى ان يخفف ذلك قليلا من الفواتير عن كاهل الأجيال المقبلة. حلمي ان تحجب مهمة التشريع وسن القوانين في هذه المرحلة الغرائبية التي يمر بها العراق، عن مجالس النواب والهيئات المشابهة والمرتبطة بها، ويحول أمرها عند الضرورة الى الهيئات الاممية المعنية بمثل هذه الملفات والقضايا، حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا.
وقبل ان يجهد البعض انفسهم لوضعي في خانة العداء للديمقراطية واسسها المعروفة، فانني أوفر لهم مثل هذا المشوار، واقر بصحة مثل تلك الاتهامات، فانني افارق الديمقراطية عند هذا المنعطف عملاً بالعبارة المعروفة “انما الاعمال بالنيات”، ونيتي تستند الى ما أعرفه شخصيا وما يعرفه الكثير من العراقيين والمراقبين للشأن العراقي، عن طبيعة بضائع طبقة سياسية أدهشت العالم كله باجادتها لتقنية ترسيخ هيمنتها على هذا البلد المنكوب مع كل فشل تجترحه على تضاريسه الممتدة من الفاو لزاخو. لم يعد لدينا ادنى شك من نوع بضائع هذه القوافل والقبائل السياسية والحزبية، ومن شتى الرطانات والهلوسات والعناوين والواجهات والازياء، وهم جميعاً ومن دون استثناء؛ لن يسمحوا بمرور أية مشاريع قوانين أو تشريعات، تستشعر فيها مجساتهم شيئاً من المروق صوب الحداثة والتقدم ونصرة المشروع الوطني والحضاري، وهم جميعاً كما أشرنا مراراً وتكراراً قد تورطوا مع هذه “الديمقراطية” وملحقاتها لأسباب نعرفها جميعاً، لذلك لم يبق أمامنا إلا كسرة الحلم هذه عسى أن نجنب الاجيال المقبلة ما هو أعظم..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة