حظ وزارة الخارجية العراقية يعكس حالة النحس والبؤس التي رافقت المشهد العام منذ لحظة “التغيير” الى يومنا هذا، فلم يكتف حظها العاثر بتسلّم هوشيار زيباري لها وتحويلها الى إقطاعية ملحقة بمصالح وتصورات حزبه البعيدة عما يحتاجه العراقيون في مرحلة استثنائية من تاريخهم الحديث، ليتلقفها السيد الجعفري والذي دوخت خطاباته الجنجلوتية وحفرياته في مجال التاريخ والجغرافية ورحلاته المكوكية؛ السيد هنري كيسنجر بجلال قدره ومكانته في عالم الدبلوماسية، ويبدو ان هذا النحس قد شجع عدد من نجوم ما تبقى من حطام النقابات المهنية، للتقدم لهذه الوزارة المستباحة. مع انطلاق حملات التسويق لهذا المرشح الطموح جداً، والتي دشنها كما هو معتاد، شخص تخصص في البحث والتنقيب عن مواهب وعبقرية “السيد النقيب” ومن الأهمية بمكان الإشارة الى ان هذه “الموهبة” أصبحت مطلوبة جداً في أيامنا هذه، والبيئة الحالية ضاجة بالمزيد من تلك “الكتابات” المنحدرة من رحم عبارة “اشهدوا لي عند الأمير”؛ مما جعل أمر السكوت عن مثل هذه الممارسات المتنافرة وأبسط قيم ومعايير (السلطة الرابعة) بمثابة خيانة سافرة لأبسط وظائف هذه المهنة (الصحافة) والتي ترعبلت كثيراً مع هذا الطفح الهائل من المتسللين اليها زمن النظام المباد وبعده.
الدوافع التي تقف خلف تلك الكتابات البائسة والمدفوعة الثمن لا يمكن ان تخفى لا على المتابع الحصيف وحسب، بل كل من يتمتع بحاسة شم سليمة وغير معطوبة، بمقدوره ان يصل اليها، لا سيما وهي تصدر عن مخلوقات تدعي الانتساب لمهنة وجدت كي تنتصر لحرية الإنسان وكرامته وعقله وضميره، مهنة أساسها النقد والمواقف الشجاعة، لا الخنوع والتبعية والذيلية كما يحصل غالباً على تضاريس مضاربنا المنحوسة. وفي مقالنا هذا لست بصدد التطرق الى الإمكانات الفعلية لهذا المرشح أو ذاك لهذه الوزارة الاشد فتكاً في حياة المجتمعات والدول، لأن المعايير الاولية للعمل في هذا التخصص الشائك والمعقد (الدبلوماسية) معروفة، وكما يقول المثل (عرب وين وطنبورة وين) فرفقاً بهذه الوزارة المكرودة، فقد لاقت ما لاقت من ظلم وحيف وحظ عاثر في أغلب محطات حياتها.
ومن الأهمية بمكان الإشارة الى ان مثل هذه الحالات ما كان بمقدورها الإفصاح بكل هذه الجرأة على التقحم بما لا يعنيهم، لولا المناخات والشروط والمعايير المهيمنة على المشهد الراهن؛ والتي تتيح لغير القليل من الأشخاص بالتسلق الى مواقع ومهن ومسؤوليات لا علاقة لهم بها لا من قريب ولا من بعيد، هذه القسمة العاثرة التي وضعتنا ضمن قائمة الدول الأكثر فشلاً في عالم اليوم. وما النتائج التي تمخضت عنها الدورة الاخيرة للانتخابات التشريعية إلا دليلا واضحاً على حيوية وديمومة مثل تلك المعايير والشروط المعاقة، والتي حولت أهم واخطر وزارة سيادية (الخارجية) الى ما هي عليه من عجز وترهل وفشل في النهوض بأبسط وظائفها ومهماتها تجاه الوطن وسمعته ومصالحه الحيوية، التي تنتهك على مرأى ومسمع الجميع. ان انتشار مناخات التشرذم والشللية والتمترس على أساس المصالح الفئوية الضيقة، وعجزنا وفشلنا (جماعات وأفراد) عن صنع اصطفافات جديدة تستند للمعايير التي أكرمت سلالات بني آدم؛ أطلق العنان لمثل هذه الفزعات المتنافرة وأبسط شروط وقيم ما يعرف بمرحلة العدالة الانتقالية، والتي ابتلينا بها منذ لحظة تبخر “جمهورية الخوف” حتى لحظة الانعطاف إلكترونيا لإشغال الحقائب الوزارية الشاغرة..!
جمال جصاني
الدبلوماسية المكرودة
التعليقات مغلقة