حذام يوسف طاهر
في روايته الشهيرة «1984» يتحدث الكاتب الأميركي جورج أورويل عن شيء اسمه وزارة الحقيقة، وفي هذه الوزارة ثمة ثقب للذاكرة تختفي فيه كل الحقائق غير المهمة وغير المناسبة، ولا تختفي هكذا انما هناك مسؤول عن هذه المهمة هو وزير الحقيقة، مهمة هذا الوزير هو اتلاف كل الحقائق واستبدالها بحوادث وهمية او أكاذيب يخترعها الوزير تتلاءم مع خطة الحكومة!!
اليوم ونحن نعيش حالة ترقب وقلق للشارع العراقي من كافة زواياه، نقف على اعتاب مرحلة جديدة، نأمل ان تكون اهدأ مما شهدناه من أحداث على مدار الخمسة عشر عاما الماضية، حالة الترقب اليت نعيشها اليوم تشمل كافة الاتجاهات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ونحن لا نملك الا الترقب والامل بأن يكون القادم أفضل مما كان.
وزارة الحقيقة في هذه الرواية مهمتها إخفاء الحقائق في ثقب الذاكرة واستبدالها بحكايات وهمية من صنع الوزير يكتبها لتتلاءم مع خطة الحكومة!، واليوم وبإطلاع بسيط لما نعيشه، نجد ان هناك قوى تحث الخطى لمسح جميع الحقائق من ذاكرة العراقيين، سياسيا ثقافيا واجتماعيا، حتى المعالم الاثارية هناك من يسعى لتشويهها ومسخها وبحجج كثيرة!، مرة تشويه للبنايات التي ضمت بين جدرانها حقائق وحكايات لمرحلة تاريخية كاملة، ومرة بطمس معالم مدينة تعيش على نهر وتعاني من شحة الماء وهو سر الحياة كما يقولون.
ولعل اشد ما يقلق في وضعنا الحالي هو هذا الانفلات الغريب، في تشويه مراحل تاريخية عاشتها أجيال ومنهم مازال حيا يرزق!، والعشوائية التي سيطرت على يومياتنا، لتشمل حياتنا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فليس هناك خطة ولا برنامج لأي مجال!، وكل شيء يجري تحت مظلة العشوائيات، قرارات مصيرية للبلد تتخذ بعشوائية غريبة، قوانين تنسف أيضا بعشوائية، حتى تشويه التاريخ صار عشوائيا، وليس هناك من مراقب او مدقق، بل الكل يبحث عن الربح ولو عن طريق بيع ذاكرتنا واستبدالها بثقب يشبه ما تملكه وزارة الحقيقة لنرمي به كل ما لا يتلاءم مع زمننا هذا!.
المشكلة بهذه الذاكرة انها تعرضنا دائما وبرضا لتكرار الازمات وبالسيناريو نفسه! وتكرار اللدغات من قبل الخصوم، والسطو من كل جهة، ففي نظرة سريعة لتاريخ الامة العربية عموما نجد السيناريو ذاته تكرر وبالتفصيل، من بدايته الى نهاية المأساة، وكأننا ادمننا الألم!
اعتقد اليوم واجبنا هو إخفاء هذا الثقب الكبير الذي يجمعون به تاريخ كامل للعراقيين، وإعادة تشغيل ذاكرتنا، وتنظيمها على يد اشخاص أمناء حريصين على تاريخ الوطن الذي اختطف أما اعيننا ونحن لاحول ولا قوة!، او على الأقل نعيد تشغيل ذاكرتنا بإشراف اشخاص معتدلين على اقل تقدير في نقل الحقائق وبدون تزويق ولا تشويه، لنقف بسلام أما أنفسنا، ولنبني تاريخا ثقافيا للأجيال القادمة، كي لانتهم بالخيانة.