ما يحصل في ملف الكهرباء بعد مرور خمسة عشر عاماً على زوال النظام المباد، يمكن أن يزود العالم كله بحقيقة ما يجري على تضاريس هذا الوطن المستلقي على بحيرات وخزانات هائلة من مصادر إنتاج الطاقة والكهرباء، أي النفط والغاز. إن فشل وعجز الحكومات المتتالية عن التصدي لهذا الملف الحيوي (الكهرباء) بالرغم من الارقام الاسطورية للموازنات التي اعتمدت لدى عدد منها، يعكس واقعا موضوعيا وذاتيا غاية في البؤس والانحطاط، وهو واقع ما زال مستمراً الى يومنا هذا، إذ تشترك الإرادة الحكومية والشعبية في تأمين كل مستلزمات الخيبة لهذا الملف الذي تجاوزته شعوب وقبائل لم تترك حياة الغابات والأدغال إلا بالأمس القريب. هذا الملف وبما شفطه من موازنات ومخصصات ووقت واستعراضات ووعود، يطيح بكل ادعاءاتنا (الحكومية منها والشعبية) في مجال التغيير والإصلاح، إذ ما زلنا نصر على الاستعانة بالمزيد من “العطابات” لعلاج ما أفسده الدهر وقوارضه الشرهة. من نافل القول التطرق الى ما يشكله ملف الطاقة ولا سيما الكهرباء، من أهمية في الحياة الحديثة بوصفه عصبها الحيوي، وشريان نشاط وفاعلية غالبية شبكاته الاقتصادية والاجتماعية والعلمية، وهذا ما تصدت له الأمم والدول التي وصلت لـ “سن التكليف الحضاري” إذ وضعت لا ملف الطاقة التقليدية بل المتجددة على رأس أولوياتها الاقتصادية والعلمية. لكن أنى لهذه الطبقة السياسية وجمهورها وحشودها المليونية منها أو الأقل قليلاً من هذه الهموم البطرانة والمتعلقة بشؤون “الدنيا الفانية” وبضائعها العابرة، فمثل هذه الهموم تقبع في قعر أولوياتهم واهتماماتهم، لذلك لم ولن يحظى هذا الملف إلا بما تعودنا عليه، من العطابات المناسبة لنوبات غضب ووجع المحرومين من مثل هذه الخدمات الأولية، التي صارت خلف ظهر غالبية سلالات بني آدم.
لا يمكن الحديث عن تحولات جدية في مجال الإنتاج الصناعي والزراعي والخدمات والتعليم، من دون الانتهاء من هذا النقص والخلل الفاضح في مجال الكهرباء. وهذا ما التفتت اليه جميع الدول التي أكرمتها الأقدار بزعامات وملاكات ومشاريع آمنت بأن الإنسان أثمن رأسمال، لتحصد في نهاية المطاف ثمار ما يعرف اليوم بـ (اقتصاد المعرفة). وهذا ما يجب أن نتصدى له (حكومياً وشعبياً) إن عزمنا على تغيير احوالنا المزرية حقاً لا قولاً وهتافات مملة كما جرت عليه العادة والثوابت والتقاليد. وكي لا يصبح كلامنا أقرب الى الطوباوية أو الديباجات والإنشاءات؛ لا بد من الإشارة الى أن ذلك لن يحصل بمعزل عن وجود انعطافة جادة وشاملة في المشهد السياسي العام للبلد، وهي فرصة لن تتحقق بسهولة مع مثل هذه الهيمنة الواسعة لشبكات الفساد والجريمة المنظمة والسلاح المنفلت وغير ذلك من المناخات والشروط المعيقة لأية خطوات جادة وشجاعة على هذا الطريق. إن الإصرار على تدمير محطات توليد ونقل الكهرباء، لا سيما في موسم ارتفاع درجات الحرارة، والتي لم تنقطع الى يومنا هذا، وهي (امتياز عراقي صرف) تحتاج وحدها الى بحث وتقصي يمكن أن يرفدنا بالكثير من المعارف والأسرار حول خيبتنا الكهربائية (الوطنية) كما يطلق عليها تمييزاً لها عن المصادر الأخرى (السحب والمولدة و..). لكن وبالرغم من كل هذه التعقيدات تبقى بوابة الكهرباء هي الممر والدليل على جدية مشاريع الإصلاح…
جمال جصاني
الكهرباء.. رأس كل خيبة
التعليقات مغلقة