غربة الحر الرياحي

لا يختلف اثنان على المكان الذي يحتله الحر الرياحي في قلب الملحمة الخالدة لمعركة الطف، فهو وهج انساني لا مثيل له وسبيكة نادرة من قيم الشجاعة والايثار المحض. وبعيداً عن كثبان الاستثمار الشعبوي والطائفي والآيديولوجي في مثل هذه الوقائع الانسانية المشرقة في تاريخنا، والتي حولت أروع ما سطره الثوار والاحرار الى مجرد تعاويذ وشعائر وطقوس خالية من الروح، لنحاول ان نقتفي أثر مثل هذه الخيارات المشرقة في مشهدنا الراهن والذي لا يقل مأساوية عما حصل في تلك البقعة المجهولة من اليباب المعروفة اليوم بكربلاء. عظمة الحر الرياحي تكمن في اختياره الانضمام الى المعسكر المحسومة خسارته سلفاً في المعركة، وهو القائد العسكري للمعسكر الآخر. هذا هو الدرس الخالد لهذه الاسطورة التاريخية.

لنقتفي اثر هذه السيرة الانسانية في المشهد العراقي الراهن، خاصة مع من صدع رؤوسنا من سدنة الشعارات والطقوس والكرنفالات المليونية لنصرة قضية الحسين العادلة والتي انحاز لها الحر الحقيقي لا المزيف قبل أكثر من اربعة عشر قرناً. ما جرى بعد الجولة الجديدة من الانتخابات البرلمانية، وما افرزته من تداعيات وتصدعات متسارعة، خاصة في الموقف من السيد المالكي والذي كان حتى وقت قريب الشخصية الاكثر شعبية ونفوذاً في العراق، وهذا ما اكدته النتائج التي اعلنت عنها المفوضية المستقلة للانتخابات. لم يمر وقت طويل على انطلاق صفارة السفارة الأعظم في بغداد حول الدقلة السياسية الجديدة، حتى اكتشف المالكي نوع الفقاعات الحقيقية المحيطة به، حيث سارع رفاق دربه الطويل للتسلل بعيداً عنه رغم انف الفتاوى والارشادات العلية في الاحتكام للصناديق والاصابع البنفسجية.

مثل هذه المناخات لنظام المحاصصة المعاقة، عاشها اللبنانيون وما زالوا يدفعون فواتيرها القاسية حتى يومنا هذا، شروط اذلال مزرية اجبرت أحد اروع شعرائهم على الانتحار كمداً، وهو خليل حاوي الذي قال:(مارد يخرج من جيب السفير). وما جرى مؤخراً بمطبخ السفارات وممثليها المحليين من عراقيي دول الجوار، يعد فضيحة من العيار الثقيل، خاصة مع تبخر اية امكانية لظهور (حر) من آخر كتل التحالف الوطني المهرولة بقضها وقضيضها الى الوليمة. ومن يتابع نوع الاصطفافات والفزعات واعادة تنظيم الحشود الجارية حالياً، يدرك غربة ذلك الفارس الذي توهج ذات ظهيرة في ذلك اليباب المعروف بكربلاء. وليس صدفة ان لا نجد من يشذ عن هذه الهرولة الجمعية ليصغ لمن لا ناصر له سوى اسمال ما تبقى من اوراق اقتراع عابرة على تضاريس الوطن اليتيم.

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة