دعوهم يعيدون إعمار العراق

بمشاركة أكثر من سبعين دولة وما يقارب الـ 1850 شركة عالمية والعشرات من منظمات المجتمع المدني وعدد كبير من المتخصصين والمهتمين بهذا الشأن؛ انطلقت اجتماعات أوسع نشاط اقتصادي أممي (مؤتمر إعادة إعمار العراق) في دولة الكويت يوم أمس الاثنين المصادف 12/2/2018. كل من يهمه أمر عودة الاستقرار والأمن والازدهار لربوع هذا الوطن المنكوب؛ سوف يقف لا محالة الى جانب توفير كل الشروط والمناخات المناسبة لنجاح هذا المؤتمر، واسترداد ثقة المجتمع الدولي والدول المانحة بهذا البلد الذي يسعى جاهدا للنهوض من بين ركام ما ابتلي به من حرائق ونزاعات وحروب. لكن تحقيق ذلك ليس بالأمر الهين والسهل، لا سيما وأن مقاليد أمور هذا البلد وبالرغم من تمكنه من استرداد أراضيه من عصابات داعش؛ ما زالت تحت تصرف نوع من الكتل والجماعات لا تجيد غير إعاقة بعضها للبعض الآخر، من دون الالتفات لما تلحقه سياساتهم هذه بحاضر البلد ومستقبله، وهذا ما نضح عن 15 عاماً من حكم هذه الطبقة المثقلة بكل أشكال التخلف والتشرذم والفساد، طبقة بهذه المواصفات يصعب التعويل عليها في قيادة عملية إعادة إعمار العراق، وهذا ما تعرفه الأوساط والمؤسسات الدولية جيداً. كعراقيين ندرك أن مثل هذه الملفات الحضارية (إعادة البناء والتنمية والإعمار) لا تتحقق بوجود الأموال والاستثمارات والقروض والمنح، ولنا في مئات المليارات من الدولارات التي تبخرت في الأعوام العشرة الأخيرة من دون أن تترك أثراً إيجابياً على تضاريس هذا البلد؛ مثالاً على أن شبكات التخلف والفساد قادرة على تحويل أفضل التطلعات والمشاريع الى مهمة شبه مستحيلة. من خلال إقرارنا ووعينا لمثل هذه الحقائق والتحديات التي تواجهنا، نتمكن من التمهيد لمشوار الألف ميل، والتصرف بحكمة ومسؤولية مع المتطلبات الواقعية (لا الفنطازية والعقائدية) لما تحتاجه البلاد في مثل هذا المنعطف الخطير الذي تمر به. طبعاً لا يمكن أن ننتظر من الكتل والجماعات التي بسطت هيمنتها على عراق ما بعد زوال النظام المباد ربيع العام 2003؛ مواقفاً يعيدون النظر فيها بسياساتهم وتوجهاتهم، وبالتالي الإقرار بمسؤوليتهم عما جرى من خيبات وكوارث، فذلك يتنافر وثوابتهم الجليلة في مجال “خدمة الشأن العام”.
لذلك كله سنوجز كلامنا بما جعلناه عنواناً لمقالنا هذا (دعوهم يعيدون إعمار العراق)، وما على السلطات العراقية سوى توفير الشروط والمناخات المناسبة لذلك، من امن وتشريعات وقرارات وتسهيلات، تنسجم وما تتطلبه مشاريع إعادة الإعمار. كما على هذه السلطات ان تنتبه وترصد جيداً الدعوات التي تصاعدت مؤخراً ضد ما يطلقون عليه بـ “التواجد الأميركي في البلاد” لأنها ستقدم أسوأ صورة عنا للمجتمع الدولي، فدور التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في القضاء المبرم على داعش، لا يمكن أن ينكره إلا جاحد. كما أن أي إسهامات دولية فاعلة في إعمار وبناء العراق، لا يمكن أن تكون فاعلة من دون وجود أميركا وحلفائها في المنطقة والعالم، لذا على من يدعي حرصه على المصالح الحيوية للعراقيين؛ أن يكون حاسماً في التعاطي مع مثل هذه الخطابات المصرة على بعث رسائل مشوهة عنا الى المجتمع الدولي. إننا كعراقيين من شتى الرطانات والأزياء، وفي هذا الظرف العصيب الذي نمر به، بأمس الحاجة الى خطاب مغاير نسترد به ثقة المجتمع الدولي، ترتقي فيه المصلحة الوطنية العليا الى سنامه الأعلى..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة