ثولان الصحافة والإعلام

تطرقنا مراراً الى حال الصحافة والإعلام لدينا قبل “التغيير” وبعده، والى ذلك الحطام الهائل من المخلوقات التي مسخت بعد عقود من عمليات التدجين والارتزاق على حساب الوظائف النبيلة للسلطة الرابعة. اليوم أحاول تسليط الضوء على نوع آخر من المخلوقات التي استهوتها “مهنة المتاعب” هذه؛ ألا وهي شريحة “الثولان” وهي عبر مظهرها الخارجي وسلوكها تبدو بريئة وبعيدة عن المجاميع التي أدمنت على نقل عدتها من كتف لكتف آخر وفقاً لمتطلبات اللحظة الدسمة. صحيح أن المتابعة الدقيقة لملامح وتصرفات طائفة الثولان، لا يمكن أن تخطأ ما تحمله من مؤشرات البلاهة والغباء والخواء، إلا أن خطورتهم وأدوارهم لا تقل فتكاً عمن ضمته اصطبلات التدجين مختلفة الوظائف والأغراض. عند الثولان العاملين في مؤسسات السلطة الرابعة تتعرض المعلومة الى أفدح الأضرار، بعد أن يفهموها (المعلومة) وفقاً لقدراتهم ومعاييرهم المتنافرة وأبسط متطلبات هذه المهنة التي وضعت بصمتها المميزة في عالم اليوم. إن تعاظم خطورة هذا النوع من المنتسبين لميدان الصحافة والإعلام، يأتي من ازدياد الطلب على ما يتمتعون به من مواهب فطرية وحماسة في التصدي لما يعهد لهم من مهمات ومسؤوليات، استعدادات تتناسب وما تحتاجه الطبقة السياسية التي تلقفت مقاليد أمور عراق ما بعد زوال النظام المباد، حيث لم يختلف الأمر كثيراً عما كان عليه الحال زمن ذلك الذي انتشل مذعوراً من جحره الأخير، إلا في العدد الكبير من الصحف والمطبوعات والفضائيات والإذاعات والمواقع والمنصات التي طفحت على مسرح الأحداث، من دون أن تشذ عما رسمته الرسائل الخالدة.
عندما نحاول فك طلاسم شيئاً من غرائبية المشهد الراهن، سنصطدم لا محالة بالدور الذي لعبته وما زالت وسائل الإعلام المختلفة وعلى رأسها الصحافة، حيث ابتعدت غالبيتها العظمى عن روح السلطة الرابعة ووظيفتها الأساس (الوصول الى المعلومة وإيصالها بأمانة الى المتلقي) هذه الوظيفة التي تتطلب سبيكة من الخصال والمواهب والقيم على رأسها الذكاء والاستعداد والتوازن العقلي والمسؤولية وروح الإيثار، بالإضافة طبعاً لمعايير المهنية والموضوعية والاستقلالية في اتخاذ القرار. باستثناء عدد محدود جداً من الحالات الفردية القريبة من هذه المعايير والقيم السليمة التي أشرنا اليها، فان الغالبية المطلقة لطفح المؤسسات “الإعلامية” هذه، تهيمن عليها مناخات طاردة لكل ما له علاقة بروح وقيم الإعلام الحر والمهني والمستقل. لهذه الأسباب وغيرها الكثير نجد غالبية هذه المنابر والمواقع والمنصات والمطبوعات لا عاجزة عن تقديم العون للعراقيين في محنتهم المتواصلة منذ أكثر من نصف قرن وحسب، بل هي نفسها باتت عاجزة عن إصلاح حالها وعيوبها، بعد أن تحولت الى تقاليد راسخة ومتوارثة. لذلك كله عجز العراقيون وبالرغم من مرور أكثر من 14 عاماً على زوال “العصر الزيتوني” في مهمة صناعة شبكة مؤسسات إعلامية تليق بقدراتهم ومواهبهم وتطلعاتهم المشروعة للحاق بركب الأمم الحرة. إن الإصرار على إعادة حنديري الأدلجة والمعايير التي عفى عليها الزمن، الى هذا الحقل الحيوي (السلطة الرابعة) وضخها بهذا الكم الهائل من الثولان والنكرات (نظرياً وعملياً) وبقايا الفلول والمخلوقات التي أدمنت دور الذيول؛ سيحبط كل مبادرة أو مشروع للنجاة من هذه القسمة العاثرة، والتي لا ينتهي نفق نهاياتها بغير العجاج والخيبات والعويل… يقول أناتول فرانس: (الغباء أخطر بكثير من الشر، فالشر يأخذ إجازة من حين لآخر أما الغباء فيستمر).
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة