هذا هو السؤال الذي ينبغي طرحه للشروع بخطوات جادة لمواجهة كل هذا الفشل والفساد الذي رافق ما يفترض أنها مرحلة للعدالة الانتقالية والتحول صوب بناء النظام الديمقراطي الجديد، على أنقاض اعتى الأنظمة التوليتارية التي عرفها تاريخ المنطقة الحديث. من الذي أصر على تقديم الفاشلين والفاسدين الى المفاصل الحيوية للتجربة السياسية الفتية؟ هؤلاء الذين ما زالوا مطمئنين لوضعهم ومكانتهم وأدوارهم التي تلقفوها بعد أن أزاح لهم المشرط الخارجي كل ما كان يعيقهم زمن هيمنة قوارض “العصر الزيتوني”. من دون التوقف بمسؤولية وشجاعة ووعي أمام هذا السؤال، سيكون حالنا أشد مرارة وبؤساً من مصير طيب الذكر دون كيشوت وحربه العتيدة ضد طواحين الهواء. لقد تابعنا حلقات هذا المسلسل البائس في الحرب المزعومة ضد الفساد وتسلق الفاشلين وعديمي الكفاءة والنزاهة والخبرة الى المواقع الحساسة في الدولة والمجتمع، حيث تختفي وجوه وتتبخر عن مسرح الأحداث (من دون حساب وكتاب) لتحل مكانها قوافل أخرى لا تقل موهبة عن أسلافها وهكذا دواليك.. حيث تبقى الحيتان وشبكة المصالح والعقائد والعقليات المسؤولة عن كل ذلك لا بمنأى عن الشك وحسب بل تقف وتنبري بنفسها لتنظيم مثل هذه المسرحيات الاستعراضية لمحاربة الفشل والفساد..!
في مثل هذه المسلسلات المملة تدرك هذه الدمى طبيعة الأدوار المناطة بها، والوقت المحدد لها، وأهمية الطاعة والالتزام بفرامين أصحاب الفضل عليها بما شفطته من مواقع وعناوين وامتيازات من دون وجه حق، لذلك نراها تتوارى وهي ممتنة لمن صنعها ورشحها. لقد شاهدنا جميعاً نوع المخلوقات التي برزت فجأة الى مسرح الأحداث، بعد ظهور شبح أول دبابة أجنبية على أحد جسور بغداد ربيع العام 2003، وكيف جعلوا من أنفسهم صناعاً لذلك الحدث (التغيير) بوصفهم “مجاهدين أو مناضلين أو..” وما تطلبه ذلك من استحقاقات ومكافآتا على تلك “الخدمة” التي لم نسمع عما يماثلها في جميع تجارب الأمم والمجتمعات الأخرى. لقد وضعت دعامات الفشل والفساد بشكل ممنهج وواسع، لا سيما وأن النظام المباد كان رائداً في التمهيد لكل هذه الاستباحات التي عصفت بما تبقى من أسلاب المؤسسات الرسمية والشعبية، بما خلفه من حطام البشر والعقول والهمم. إن منظومة القيم والمعايير المهيمنة حالياً عند غالبية القوى والكتل المتنفذة، لن تفضي لغير ما نعيشه اليوم من تشرذم وخيبات وهزائم على شتى الجبهات، ولن تجدي نفعاً مثل هذه العطابات والحلول الترقيعية لما حل بنا من كوارث ومحن، لا سيما بعد أن حول “أولياء الأمر الجدد” حلم الخلاص من الطاغية وعصاباته الى مسلسل طويل من الكوابيس.
إن الدليل الوحيد على جدية الحرب ضد الفساد، يأتي من المواجهة الفعلية لرؤوس الفساد لا ذيوله، لمنظومته الفكرية والقيمية لا واجهاته العابرة، لحاضناته وعرابيه لا لأوراقه المتهاوية، وهذا ما لم تتجرأ الحرب المزعومة في التقرب من حدوده وتضاريسه المطمئنة. من دفع بكل هذه القوافل من الفاشلين واللصوص والفاسدين والمتخلفين الى سدة المسؤوليات والمواقع المهمة، ما زال بمأمن من كل هذه الفزعات، وغير القليل منهم يتمترس بكل أنواع الحصانة والمكانة والألقاب وعبارات التبجيل الزائفة، التي وهبتها لهم حقبة الفوضى التي لم تخلق حتى هذه اللحظة؛ سوى المزيد من الهزائم والفزعات الفاشوشية..
جمال جصاني
من رشّحهم ..؟
التعليقات مغلقة