يعيش العالم هذه الأيام نشاطات وفعاليات حملة الـ 16 يوماً للتضامن مع المرأة في كفاحها ضد كل أشكال الظلم والعنف الموجه ضدها، هذه الحملة التي تبدأ في 25/ تشرين الثاني، وتنتهي في العاشر من شهر كانون الأول من كل عام. وبهذه المناسبة نتساءل من للنساء الإيزديات؟ التي تعد نكبتهم على يد عصابات داعش، أكبر وأبشع الانتهاكات التي تعرّض لها جنس النساء في العصر الحديث. حتى هذه اللحظة وبالرغم من تحرير كامل التراب العراقي من الاحتلال الداعشي، ما زال مصير أكثر من ثلاثة آلاف امراة وفتاة إيزيدية مجهولاً، وهذا وحده يكفي للتعرف على حجم الظلم والحيف الذي ما زال يرافق هذا الملف الإنساني المنسي. ما جرى للإيزيديين بشكل عام والنساء والفتيات والأطفال منهم بشكل خاص، لم يحصل فجأة من دون مقدمات، وكل من يحاول تسويف وتمويه حقائق الأحداث ونوع القوى والعقائد والمناخات المتورطة في صنع هذه الكارثة التي اهتز لها ضمير الإنسانية جمعاء؛ هو شريك بهذه الانتهاكات الوحشية بوعي كان أم من دون وعي. لقد كشفت محنة النساء الإيزيديات عن فضيحة من العيار الثقيل لنوع المعايير والمنظومة القيمية السائدة في مضاربنا المنحوسة، حيث الحس الإنساني والتعاطف الشعبي والرسمي معها، كان وما زال خجولا وباهتاً ولم يرتق لمستوى التضامن الذي أبدته مجتمعات ودول بعيدة عنا بآلاف الكيلومترات، وقد انعكس ذلك بحملات التضامن الأممي مع قضية النساء الإيزديات وجريمة سبي وقتل واستعباد الآلاف منهن، وفي استقبال نادية مراد، أبرز ضحايا ذلك السبي الهمجي ومنحها لقب سفيرة الأمم المتحدة للنوايا الحسنة، وتقديم كل العون لها لعرض قضيتها العادلة في المحافل الدولية.
بكل تأكيد لا يمكن انتظار العون لهن من مشرعي “الأمة” الذين صدموا المجتمع الدولي ومؤسساته الأممية بمشروعهم الأخير لتعديل قانون الأحوال الشخصية لعام 1959 ولا بالتالي من الهيئات التنفيذية المتفرعة عنهم، وفقاً للحصص التي حددتها صناديق الاقتراع المتخصصة بتجديد البيعة لأمراء التشرذم الإثني والطائفي. إن المناخات والشروط التي أوجدت داعش ومن قبلها القاعدة وشورى المجاهدين وجمهوريات رجال الدين وجماعة التكفير والهجرة وشجرة الإسلاموية العالمية وغرفة عملياتها (جماعة الإخوان) وغير ذلك من عقائد الغيبوبة وكراهة الآخر المختلف وشيطنته، ما زالت باقية ومطمئنة لوجودها ونفوذها على هذه المضارب المنكوبة. وهذا ما يدركه الضحايا جيداً، فبالرغم من تحرر مناطقهم من الناحية العسكرية إلا أنهم لم يلمسوا أي تحولات نوعية على صعيد التشريع والتنفيذ تضمن لهم استرداد حقوقهم وكرامتهم المهدورة والعيش في مناطقهم بشكل آمن ومطمئن. لذلك لم تشهد مناطقهم بعد تحريرها عودة واسعة للنازحين والمهاجرين عنها. إن الحنديري العقائدي والآيديولوجي المهيمن على المشهد الراهن، يحجب عنا كل إمكانية لرؤية حقيقة ما جرى للنساء والأطفال الإيزيديين، وهذا ما سيدونه التاريخ عن مرحلتنا هذه ونوع القوى والعقائد والمخلوقات التي صنعت كل هذا الحضيض، ولهذا لا يمكن أن نعد النساء الإيزيديات بأية مواقف وقرارات وطنية على المدى المنظور، تتناسب وحجم النكبة التي حلت بهم، وليس لهن حالياً سوى الله (البعيد عن كل أشكال الدعشنة) والأمم التي أكرمتها الأقدار بشرعة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمدونات التي أكرمته من دون تمييز على أساس العرق واللون والجنس والاعتقاد..
جمال جصاني
من للإيزيديات؟
التعليقات مغلقة