إقليم كوردستان.. نقطة نظام

لقد ترك تطور الأحداث السريع والمفاجئ، بعد إصرار أربيل على إجراء الاستفتاء في 25/9؛ أثراً كبيراً على مواقف ونوع خطابات شتى الكتل والقوى والجماعات، وقد أسفرت الملامح الفعلية لعدد منها، وكشفت عن هويتها الشوفينية والفئوية الضيقة لا في أربيل وما أطلقوا عليه “المناطق المتنازع عليها” وحسب بل في العاصمة الاتحادية بغداد وغيرها من مدن ومناطق العراق، إذ سارع الأشد حماسة منهم لترديد مفردات وتسميات النظام المباد، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تسمية “شمال العراق” والتي سارع الكثير من السياسيين وأعضاء السلطة التشريعية الأولى في البلد (البرلمان) وعدد غير قليل من ممثلي “السلطة الرابعة” للترويج لها مجدداً، من دون الالتفات لما دونه دستور العراق الاتحادي الجديد، أي إقليم كوردستان..!
مثل هذه العقلية في التعاطي مع ما حصل مؤخراً في تلك المناطق، والتي تصر على فهمها بوصفها انتصاراً لطرف ما على طرف آخر؛ تمثل في الحقيقة الوجه الآخر للعقلية التي كانت خلف ذلك الإصرار على إجراء الاستفتاء من أجل إقامة دولة كوردستان المستقلة، وألحقت أبلغ الضرر بتطلعات الشعب الكوردي المشروعة. الذي هزم في إقليم كوردستان وما أفضل أن أطلق “المناطق المتعايش عليها” هو النهج القبلي الشوفيني الذي اعتمدته أربيل وتورم بشكل كبير في الأعوام الأخيرة، وهي النتيجة التي تعرف عليها شوفينيوا النظام المباد، ولن يمر وقت طويل حتى تكون من نصيب ما يعرف بجماعات الفلول، تلك المحلوقات المسكونة بالمفردات والمفاهيم التي انتهت صلاحيتها منذ زمن بعيد، والتي ما زالت مسكونة بفضلاته ورموزه، وما تمسكها بعلم النظام المباد ونشيده وتشريعاته إلا مثال فاضح على ذلك.
ما جرى لتجربة الإقليم والهزائم التي ألحقتها سياسات وقرارات كتله النافذة ولا سيما الحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه المزمن السيد مسعود البرزاني؛ كان متوقعاً وقد تسارع بسبب شراهة رئيس الإقليم في الاستحواذ على المزيد من السلطات له ولأفراد أسرته في الأعوام الأخيرة، مما جعله يتصرف بتهور مع المناشدات المحلية والإقليمية والدولية التي دعته للتريث، وهذا المصير يذكرنا بالكثير من التجارب التي عرفت مثل هذه المحطات الدراماتيكية في تاريخها. إن التحدي الذي يواجه تجربة الإقليم بنحو خاص وتجربة الدولة الاتحادية الفتية في العراق بنحو عام؛ هو التعاطي الشجاع والمسؤول مع مهمات المرحلة الانتقالية، التي تمهد الطريق الى مؤسسات وتشريعات الدولة الحديثة المستندة الى أساس مكين من الحريات والحقوق، والتي شهدت طوال أكثر من أربعة عشر عاماً من “التغيير” فشلاً على شتى الأصعدة، لم يستثن تجربة الإقليم والتي توهمها البعض واحة للأمن والاستقرار.
على الرغم من العيوب والثغرات وحتى المغالطات التي يتضمنها دستورنا الحالي، بفعل استجابته لذائقة وطلبات كتل وحيتان حقبة الفتح الديمقراطي المبين، إلا أن ذلك لا يبيح لأي منهم التعامل معه بانتقائية ووفقاً لانفعالاته المرحلية وسراب انتصاراته الفئوية الضيقة، وعسى أن يكون الحال الذي انحدر إليه رئيس الإقليم بعد فزعة الاستفتاء، عبرة ودرساً للآخرين ولا سيما منها القوافل المنتشية من نتائج الأحداث الأخيرة، والتي دفعتها نشوتها المفاجئة لإشهار يافطات وتسميات طمرها الدستور الحالي مثل “شمال العراق” وهي إشارة واضحة على أن المتمترسين على الجانب الآخر لا يختلفون كثيراً عن “شركائهم” في مجال الاهتمام بالدستور …
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة