البصرة ـ الصباح الجديد:
تحاول أعمال الفنان العراقي الفطري عباس جابر الصراخ بأعلى صوتها احتجاجا على ما يجري بالعراق من تراجع ملحوظ في مختلف الميادين الثقافية والفنية والأمنية التي تهدد كيان الإنسان ووجوده في هذه البقعة من الأرض.
وتتحدث أعماله النحتية بجرأة وواقعية عن حجم التهديدات التي يعانيها المواطن العراقي من خلال الأشكال الكونية المصنوعة من الطين وكأنها كائنات تنطق على نحو يجعلك تدرك وتستمع إلى صرخاتها وآلامها.
وتشكل أعمال عباس جابر النحتية بنية تكوينية خاصة بها لا تخلو من تفرد، كونها تشي بعوالم غرائبية هي استنطاق وجودي للحياة المعاصرة، ولأنها بنية مكتفية بذاتها على مستوى الشكل والمضمون.
ويبدأ الشكل من الخامة التي تستخدم في هذه الأعمال الإبداعية، وهي مادة الطين التي تكونت منها حضارة وادي الرافدين فنا وعمرانا، لذا تأخذ هذه المادة الصلصالية بين يدي النحات روحا وتشكيلا، وكأنه يعجن التاريخ كماضٍ سحيق يشع بالتماعات تدلنا عليه، والجغرافيا كمساحات تشير لوجودنا البشري الشاهد على مجد الإنسان وفنونه ومدنيته، والشاهد على قساوة الإنسان وعنجهيته وقدراته التدميرية لعناصر الطبيعة.
الدلالة والرمز
يقول جابر إن “يديه تحاوران الطين بوصفه كائنا حيا يستمع ويتأثر بالأشياء، فتتشكل كائنات بهيئة إنسان مسحوق يكشف عن مفردات الحياة ومعاناتها، وأنه يعبّر عن كوميديا الخوف وفوبيا الحياة اليومية”.
ويكشف جابر أنه أراد أن يطلق تلك الصرخة الخرساء المخنوقة التي ترفض ما يجري من محاولات تفتيت لوجود المكونات الطبيعية ضد العنف والفتنة والموت المجاني، وأنها صرخة استغاثة موجهة لكل المنصفين بالعالم لإيقاف مسلسل النزيف الدموي.
بدوره، يرى الشاعر والناقد التشكيلي نصير الشيخ أن أعمال عباس جابر النحتية يكتنفها الشكل الغرائبي الصادم، وأن عجينة الطين بين أصابعه تترشح عنها الفكرة، ومن ثم تتحول إلى كتلة تعبيرية بعد إدخالها إلى الفرن لتكون ما يسميه الفنان “طينا مشويا”.
وأضاف الشيخ أن قراءة أعمال عباس جابر تكشف الكثير من الاحتجاج والشك ومسألة الآخر والفواعل المدمرة والاستمرار في نهج مسخ الإنسانية وسلب الطبيعة البشرية روحها التي تصنع الجمال.