الحبربش

لأسباب تأريخية وموضوعية عاشها العراق في العقود الأخيرة، تضخمت شريحة اجتماعية وقيمية جمعت في سلوكها وميولها وطبائعها، أرذل الصفات التي عرفتها سلالات بني آدم على مر العصور. نوع من المخلوقات هي أقرب الى فئة القوارض منها الى البشر، حيث الشراهة المفرطة واللصوصية والوصولية والدونية والخسة في التعامل مع الآخرين، وما يتجحفل مع هذه المنظومة من قيم الانحطاط، المسؤولة عن كل هذا الفشل والعجز وانسداد الآفاق الذي نعيشه؛ إنها شريحة (الحبربش)، التي منحت أجهزة ومؤسسات النظام المباد كل ما يحتاجه من مبررات للبقاء، وبعد “التغيير” أعاد القادمون الجدد للغنيمة الأزلية اكتشاف أهمية ومواهب هذه الفئة (الحبربش) حيث لم يمر وقت طويل، حتى استردت ملاكات هذه الشريحة مواقعها لا في أجهزة الدولة وإداراتها وحسب، بل تسللت الى الواجهات والعناوين المرتبطة بالنظام الجديد، وبرشاقتهم المعهودة تسلقوا الى غير القليل من المفاصل الحيوية للدولة والمجتمع. طبقا لبوصلة أسلافنا المجربة والتي تقول (البعرة تدل على البعير) بمقدورنا فك طلاسم العديد من غرائب وعجائب المشهد الراهن، من خلال اقتفاء أثر (الحبربش) وحجم تسللهم ونفوذهم في مكان أو كيان ما، وبالتالي التعرف على علل عجزه أو حيويته. وبما أن العافية والحيوية شبه معدومة لدينا في شتى الحقول المادية والمعرفية والقيمية، فلا نحتاج الى معونة خارجية كي نتفق على ما حققته الصولات الظافرة لجيوش الحبربش في حقبة الفتح الديمقراطي المبين.
لقد انعكس هذا النفوذ الاسطوري لهذه الشريحة وشعبيتها على ما أدهشنا العالم به؛ أي العدد الذي أعلنت عنه المفوضية “المستقلة” للانتخابات، للأحزاب والكيانات السياسية التي ستخوض الجولة المقبلة من الانتخابات، والذي تجاوز الـ 200 حزب وحانوت سياسي، جميعها تقريباً يصب “خراجها” من الصناديق في خرج “المكونات” وقوارضها السمان كما حصل في المواسم السابقة. ومع مثل هذه البدايات وبرفقة هذا النوع من الكيانات التي حظت ببركة ورعاية أم المفوضيات (المفوضية المستقلة للانتخابات) والتي أعيد تدويرها وتقاسمها بين قوارض حقبة الفتح الديمقراطي المبين مؤخراً؛ يمكن استشراف نوع الآفاق المقبلة الينا بعد الغزوة المقبلة للصناديق. في مثل هذه المناخات وقواعد اللعب، لا يمكن لأية قوى (أفراداً أو جماعات) من منافسة شريحة الحبربش المدججة بكل المواهب والمواصفات المطلوبة للفوز بالسباق.
مع مثل هذه القسمة العاثرة التي رمتنا بمسلسل لا ينتهي من النزاعات والحروب وانعدام الأمن والاستقرار، والاغتراب عن كل ما له صله بميادين الإنتاج المادي والروحي، وانبطاحنا الذليل أمام ضرع الرزق الريعي؛ لا يمكن انتظار لا هزيمة هذه الشريحة الطفيلية ولا تقلص لنفوذها على المدى المنظور. ويمكننا التعرف على هذه الحقيقة المؤلمة وعظم هذا البلاء في غالبية مفاصل وإدارات ومؤسسات دولتنا الريعية، التي تقضم أكثر من ثلاثة أرباع الموازنة السنوية لإرضاء نهم أورامها التشغيلية، حيث تسترخي على تضاريسها وتتمدد جحافل الحبربش الظافرة. لقد برهنت التجربة على خواء وعجز جميع الرغبات والمحاولات الارادوية في مواجهة هذا الوباء، المتجذر في البنية الاقتصادية والاجتماعية الحالية، لذلك شاهدنا كيف تحولت غالبية الهيئات والأجهزة الرقابية الى مرتع آخر يضاف الى خزيننا الاستراتيجي من الترهل والأورام.ٍ
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة