ما الذي تنتظرونه من اللصوص؟

من محنة الى أخرى ومن مصيبة الى كارثة، بلا توقف تواصل عجلة الدمار الشامل سحق كل ما له علاقة بالآمال المشروعة لسكان هذا الوطن القديم من شتى الرطانات والهلوسات والأزياء. لكل مصيبة وكارثة ذرائعها العقائدية والآيديولوجية وخطاباتها وشعاراتها، التي تبدو مختلفة ظاهرياً، لكنها تلتقي جميعها بالغايات النهائية والرسائل الخالدة وأنهار الدم. لمعرفة زيف كل تلك الترسانة من الأضاليل التي تستند لها السلالات القديمة والجديدة من مشعلو الحروب والفتن؛ لا نحتاج الى الاستعانة بخدمات المراكز العلمية المتخصصة في هذه الحقول، يكفي التوقف قليلا عند السيرة الشخصية لحيتان وممثلي هذه الفزعات المتجددة؛ هل لهم علاقة بمعسكر الحرامية واللصوص أم لا؟ إن كانوا من اللصوص الكبار أم الصغار، فعندها ستنتفي الحاجة للتوقف عند كل ذلك الطفح من اليافطات والشعارات والاستعراضات والأهازيج التي أدمنوا على امتطائها عند مفترق الحرائق والفتن. اللصوص الكبار وما يحيط بهم من “حبربش” وأتباع وذيول، وإن اختلفوا عند أطراف الوليمة، إلا أن كل ذلك لا يفسد لودهم المشترك قضية.
ما يدور اليوم من سجال ومناوشات وتصعيد في المواقف بين بغداد وأربيل، حول الاستفتاء المزمع إجراؤه في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، لتقرير مصير إقليم كردستان وبالتالي الإعلان عن قيام دولة كردستان المستقلة، وبرغم الذرائع والادعاءات التي تتمترس خلفها تلك الأطراف لتبرير مواقفها وانفعالاتها، لكن غالبيتها لم تخرج عن مشيئة ذلك المسار والعقليات والعقائد التي أهدتنا كل هذا الخراب الذي نعيشه اليوم. ما الذي يمكن انتظاره من مثل هذه الطبقة السياسية المستلقية على التضاريس الممتدة من الفاو لزاخو؟ وهل بمقدورها تقديم بضاعة أخرى مغايرة لما أهدتنا إياه زمن “التغيير” وقبله؟ نوع البضاعة وملامحها واضحة ولم تختلف عن سابقاتها، ولم تشذ عن ذلك الإرث المثقل بالكراهة وبغض الآخر المختلف. حقيقة يمكن التعرف عليها في التصعيد الأخير بالمواقف والذي تنطع له عدد من صقور “الحبربش” في بغداد وأربيل، إذ الغطرسة والغرور الأجوف لمخلوقات وجماعات لم تكن تتجرأ في التطفل على قاموس الحريات والحقوق لولا المشرط الخارجي والغوث العابر للمحيطات.
لسنا بحاجة للمزيد من اجترار الشعارات والديباجات الجميلة حول الحريات والحقوق، ولا للرطانة البايخة لغير القليل من نجوم الفضائيات والمنابر الإعلامية المختلفة، حول تلك المفردات والمدونات التي تحولت الى واقع بهمة المفكرين والأحرار لا القراصنة واللصوص و”الحبربش”، وهذا ما حفرته تجارب الأمم والشعوب بصرامة ووضوح في مدوناتها. ما نحتاج إليه في مثل أوضاعنا السائرة الى مزيد من التعقيد؛ هو مهن وتخصصات أخرى تضع حداً لشراهة وضيق أفق الحبربش واللصوص، الى توجهات تقطع الطريق أمام هذا الولع والإصرار على توريطنا، عبر المزيد من التصعيد البعيد عن المسؤولية والشجاعة والحكمة. أمامنا جميعاً (عربا وكوردا وتركمانا وأديانا ومذاهبا وشعوبا وقبائلاً وعقائدا وطبقات وملل و..) أضابير ضخمة من الحقوق والمشاريع والآمال المهدورة، وهي جميعها تفتقد الى الشخصيات والتنظيمات والثقافة والمنظومات القيمية القادرة على تحويلها الى واقع، بعيداً عن لجاجة وشراهة اللصوص وقراصنة المنعطفات التأريخية، بلوتنا المزمنة على مر العصور..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة