ما أشبه البرلمان بالبرلمان

على خطى البرلمان السابق يعشو اعضاء البرلمان في دورته النيابية الثالثة، وهكذا تدور الدورات في فلك ثوابت حقبة الفتح الديمقراطي المبين. حيث الآباء المؤسسون لحقبة المحاصصة الطائفية والعرقية يعيدون توزيع اسلاب الغنيمة الأزلية طبقاً لبوصلة الشراهة الوطنية أو الشراكة الوطنية، وغير ذلك مما نضح من منظومات ومعايير لادارة شؤون البلاد والعباد بعد أن فطس ذلك الكائن الخرافي الذي اختزل كل السلطات بشخطة قلم أو ايماءة حاجب. لا جديد مع التوليفة الجديدة في البرلمان الحالي، حيث فقه السلة الواحدة، الأمين لتقاليد النسخة الاولى من البرلمانات العراقية في النصف الأول من القرن المنصرم، أو ما عرف بـ (جماعة موافج) حيث التصويت رهن اشارة الابخرة المتصاعدة من مطبخ الحيتان.

مثل هذه المعطيات المخيبة للآمال، تعكس واقع الامكانات الفعلية لمجتمع انفصل عن دورة الحياة الطبيعية وعن المسيرة الحافلة لسلالات بني آدم في العصر الحديث وما قبله، وهذا المأزق السياسي والقيمي لا ينفصل عن غربة مجتمعاتنا عن عملية الانتاج المادي والازدهار الذي عرفته البشرية عبر التشريعات والتقنيات والآليات المتناغمة مع حاجاته المتعاظمة. لذا من الطبيعي ان تنمسخ افضل الانظمة التي انتجتها البشرية لفك الاشتباكات واطفاء بؤر التوتر المحلية والخارجية (النظام الديمقراطي وآلياته وصناديقه..) لتتحول الى اداة طيعة لاعادة انتاج برلمانات لا تجيد غير صناعة التشرذم وعدم الاستقرار. ان وجود هذا الطفح الهائل من الكتل والتيارات المعبرة عن حاجات العصور السالفة، لم يأت من فراغ، بل هو نتاج طبيعي لمشوار طويل من الهزائم الحضارية، ومن التنازلات الشاملة على مختلف الجبهات المادية والروحية. ومع مثل هذه الاوضاع حيث الامية الشاملة ومناخات الغيبوبة وشروطها الفتاكة، يصعب ان يتقدم لشغل مقاعد مثل هذه البرلمانات مرشحون يضعون في جعبتهم هموماً واهتمامات كباقي المنتسبين لبرلمانات الامم والاقوام التي أكرمتها الأقدار بشرعة الاعلان العالمي لحقوق الانسان. كما يبدو انه من العسير تحقق الامنيات قريباً بولادة احزاب ومنظمات سياسية بالمعنى الحديث لهذه الكيانات والتي يشكل وجودها القاعدة الاساس للنظام الديمقراطي، حيث انعدام البنية التحتية والعلاقات الاقتصادية والاجتماعية اللازمة لذلك.

ان اعادة انتاج مثل هذه البرلمانات المنزوعة الروح، والمولعة بـ “بيارغ” العشائر والطوائف ومؤسسات ما قبل المغفور له كوبرنيكوس، هو تعبير حي على ما انحدرنا اليه افراداً وجماعات وخاصة في العقود الاربع الاخيرة والتي توجت بفرسان الحوسمة الشاملة، حيث الكتل و”الأحزاب” وخرائط الطرق الكفيلة بقضم أجمل الاوطان وأقدمها، من دون ان يرف لها جفن من عقل أو ضمير.

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة