الكناسون لفرض القانون

في مثل هذه الشروط والمناخات من الفوضى وضياع هيبة الدولة والقانون، والهيمنة المتعاظمة لعصابات الإرهاب والإجرام المنظّم، والتي تصاعدت نشاطاتها مؤخرا بنحوٍ لا ينسجم والانتصارات التي تحققت على الجبهة العسكرية ضد رأس رمح الإجرام والإرهاب (داعش)؛ لابد لنا من استلهام بعضاً من التجارب الناجحة للمجتمعات والدول في مواجهتها لمثل هذه المخاطر والتحديات الاستثنائية في هذا المجال. إحدى هذه التجارب والتي حولتها هوليود الى فلم سينمائي معروف، كانت حول فرقة (الكناسون) التي تشكلت نهاية النصف الأول من القرن المنصرم في الولايات المتحدة الأميركية، وقد ضمّت مجموعة منتخبة من أكثر العناصر والملاكات الأمنية إيثارا وحزما وإقداماً، ليقوموا بتنظيف المدن من الشبكة الاخطبوطية للعصابات، والتي مدت نفوذها الى غير القليل من المفاصل الحيوية للدولة والمتنفذين فيها. لمثل تلك الأوضاع الاستثنائية ظهر (الكناسون) كوسيلة لابد منها للحد من ذلك الانفلات الأمني الخطير، الذي واجه المجتمع الأميركي بعد الحرب العالمية الثانية، وحقق نتائج مذهلة في كبح جماح الجريمة المنظمة والقوى الخفية والعلنية التي تقف خلفها. كان ذلك في بلاد العم سام، أصحاب التجربة العريقة في الديمقراطية وسلطة القانون. أما في العراق، هذا الوطن المنكوب بالهيمنة الواسعة والطويلة للعصابات، منذ (جهاز حنين) سيئ الصيت الى جمهورية الخوف، والتي تشظّت بعد حقبة الفتح الديمقراطي المبين؛ الى هذا الطفح الهائل من العصابات والتنظيمات الإجرامية والإرهابية، خلف شتى الذرائع والواجهات؛ فأننا بحاجة الى طرق ووسائل غير تقليدية وجريئة في مواجهة هذا المرض العضال، لا سيما من قبل المتنطعين لمهمة فرض هيبة الدولة والقانون، أي الأجهزة الأمنية، وهي كما نعرف بوضعها الحالي تعاني الكثير من العيوب البنيوية، لأسباب ذاتية وموضوعية تطرقنا اليها مراراً، لذلك لا مناص من إعادة تشكيل أجهزة جديدة، ينتخب المنتسبين لها وفقاً لمعايير صارمة، وتوفر لهم كل الإمكانات اللازمة من تأهيل وتشريعات وقيادات مجربة في الكفاءة والنزاهة والإخلاص للعراق الديمقراطي الجديد.
بعد تحرير الموصل وسقوط داعش عسكرياً، نحتاج الى برنامج شامل لمواجهة مخلفات الحرب ضد الإرهاب، على رأس ذلك مهمة اعتماد نهج وأساليب ومعايير جديدة، تعيد الأمور الى نصابها الصحيح، بعيدا عن عبث (الأحزاب والكتل والكيانات) التي أهدرت بشراهتها وضيق أفقها، الكثير من الوقت والفرص والإمكانات طوال أكثر من أربعة عشر عاماً من زوال النظام المباد. وفي هذا يمكن اعتماد أساليب مبتكرة وجريئة في الحرب ضد عصابات الإجرام والإرهاب من شتى اليافطات والعناوين، أن يمثّل خطوة جادة على هذا الطريق الطويل. ليس من الإنصاف أبداً، إتاحة الفرصة ثانية لمسوخ البشر، كي يهدروا كل هذه الصفحات المشرقة من التضحيات والبطولات والإيثار، التي سطرها المقاتلون في جبهات المواجهة مع اعتى العصابات الإرهابية التي عرفها التاريخ الحديث (القاعدة وداعش وأخواتها في الرسالة الخالدة) عبر المواقف غير المسؤولة والمتواطئة مع الجرائم التي تصاعدت مؤخراً في العاصمة بغداد، قتل الأطباء واختطافهم على سبيل المثال لا الحصر. على من قذفته الأقدار العابثة على سنام المسؤوليات الأشد فتكا في مصائر الشعوب والأمم، إدراك ألف باء الدولة في القاموس السياسي: (الدولة هي جهاز العنف الشرعي والوحيد) من دون ذلك علينا أن نقرأ على مشحوفنا المشترك السلام….
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة