ابتسام يوسف الطاهر
هل تذكر تاريخ اليوم..5-4..؟ يومها كتبْتَها45 على كتاب اهديتني اياه ..
خدعكِ كتاب الشعر ذاك، شعراً لم يكتبه هو مع هذا خدعتك تلك الكلمات. لاتتعبي نفسك..لن يتذكر، بل لا يدري ان لهذا اليوم ذكرى..لساعات.. كم كانت مضببة وكم هي بعيدة!
وهي تضع قدمها في الحافلة. تضغط على جرس بابه «انا المنظفة اتيت لأساعدك».. لكن صوتك مميز وسيعرفه في الحال.
«مساء الخير..هل تسمح لي بالدخول اشتريت لك شيئا « تذكري ان تشتري ذلك الشيء..لا.. سيرفض في الحال هل نسيتي يوم اشتريت له قميصا رماه..بعد ايام لبس قميصاً اشترته له معجبة فصار يلبسه كل يوم!! ويوم اهديته كتاباً نادراً، اعطاه لزميله! اذن لماذا انت هنا..لماذا متجهة صوبه؟ مثل فراشة تلاحق النار.
انه مريض ولم يعد له احد..الكل صار يتجنبه «صار عدوانياً وخشن المعشر»..»لقد تغير كثيراً لم يعد ذاك الذي تعرفينه». انهم انانيون لايحفلون الا بمن يمنحهم المتعة والسعادة ولو على حساب الاخر، بلى كانت على حساب صحته..كم نصحته «انت لست امي..» ركض نحو لحظات الجنون وصار يشرب السم (مداف في عسل الكلام..) عسل الهرب لعالم ليس فيه غير فقدان اللحظة..عالم يصنعه كأس الراح ليبقى في الصحو يدق الراح بالراح ….
توقفي هنا. قبل ان يجرفك تيار الماضي وتضيع منك الدروب.
الشمس من نافذة الحافلة توحي بالفرح الذي يعلنه الضياء وينشره على الوجوه..وجوه عديدة ليس بينها من يتطلع لك أو «هلو..الم تتعرفي علي؟» اغمضت عينيها مستسلمة لدفء الشمس لدفء الحلم.
«ماذا تريدين؟ تشمتين في..؟»
لماذا اشمت فيك؟ المرض ليس جريمة ولا هو آخر الدنيا..جئت اساعدك»…
«اوه..اهذا انت؟..معقول تأتين لزيارتي بعد كل ما فعلته ضدك!؟ .. كم حلمتُ بذلك وابعدته لأني اعتقدت ان حقدك علي لاحدود له..ولا الومك»
«اسكت ..لا تحكي كثيرا لا تتعب نفسك..لنطوي صفحة اتعبتنا معاً..لست هنا لأعتب ولا الوم..اريد فقط اساعدك..أن اقف بجانبك. كصديق أو زميل..مجرد .. علاقة انسانية».
الحافلة تسير كما السلحفاة. من النافذة تلوح صور لأيام مرت وتصورتْ إنها تلاشت أو تبخرت كغيمة في صحراء. لكنها عادت كما لو انها هناك بل هنا..»اسف ياعزيزتي..لقد اكد علينا ان لا يزوره احد سواها..» كاد يأكلك القلق عليه بعد غياب ايام بلا وداع ولا اشارة! وابتلعتِ مرارة حقيقة حارقة كشمس صحراء عند الظهيرة. حقيقة ليس رفضك فقط بل رمى الخيانة بوجهك..الخيانة.
«هل احببتُ غيركَ؟..
أعتقد إن الأمر لم يكن سوى عطش لكلمة طيبة .كلمة تشعرني يالحياة بشبابي بقيمتي ..بأني مشتهاة وهناك من يحتاجني..هذا هو سر الحياة أو سر السعادة».. تلمحه من خلف زجاج الوهم، يقترب منها يعانقها فلا تصده بل تدني رأسه منها وتضعه على صدرها كطفل يحتضن أمه ليريح رأسه المثقل بالتعب على كتفها.
لأشتري بعض الاشياء التي قد يحتاجها، وفي الاقل تكون حجة لزيارته بعد عقود الانقطاع «ترى كيف صار شكله الان..هل تغير كثيرا كما يقول البعض؟».
حين اقتربتْ من الشارع حيث يسكن، شعرتْ بشيء من الخوف والتردد «مابك منذ ساعات وانت تختلقين الحوارات معه بسلاسة وبهدوء اعصاب، ما بك الان؟ «ماذا لو طردني؟ « ماذا لو «لا تفرحي كثيراً..لن ادعك تدخلين حياتي».
حياتك لم تعد تستحق الدخول ..اريد اشعرك بأن قلبي صار أنقى وأكثر صفاءاً منذ خرجت من حياتك، منذ أن عرفت إن هناك حياة وهناك حب.. منذ ان عرفت اني قادرة على الحب وإن كنت اجهله. ( الحب دفء وراحة. الحب ان لا تشعر بالوحدة. الحب بسيط جدا، خليط من الصداقة والتقدير والفرح) هكذا عرفه الاطفال.
..اريد ان اثبت لك اني غير حاقدة..والمنتصر لا يحقد ههههه هذا ماقالته قائدة من فيتنام. معك لم اعرف طعم السلام، لا معك ولا مع الروح!
لماذا انت هنا اذن؟ انسيت كم كان يحمّلك اسباب فشله؟ هل نسيت كيف يفتعل المسببات وغير الممكنات ليحرجك؟ آه منك. هل نسيتي كم كذبة اختلقها لتشويه صورتك؟ هل هو حب ام ضعف؟ أنا أعرف طيبتك بلا حدود. مارأيك بجمعية طيبون بلا حدود؟ هههههههههها اخفت ظل ضحكتها في صورتها المعكوسة عبر زجاح نافذة الحافلة. ثم كما لو ان نحلة لسعتها.
«ربما يضربني فكم من حالات جنون تصيب البعض في حالة الغضب أو الخيبة أو الندم. وهو الآن تتلبسه كلها. الخيبة بحبيبة تستغله وتذله بالغياب. ربما تخلت عنه بعد أن تخلى عن الناس من اجلها! والغضب من الذين قادوه لها وتخلوا عنه اليوم. والندم ربما من النفس التي لم يعد يسيطر على نوازعها! وانتِ ما اسهلكِ ليفرغ فيك كل غضب الدنيا وخيباتها. ها قد عدت لتبرير السيئات.
ماذا لو ندمت على هكذا خطأ! اي خطأ؟ خطأ ان نهتم بمن يحتاج مساعدة؟ الم نجرِ لمساعدة أي كان في أي مكان..فما الخطأ في الوقوف مع شخص من هؤلاء جمعك واياه قدر احمق ربما، أو لحظة هلامية.. لا يجوز أن نقسو لنوازي قسوتهم. ماذا عن «وعاملهم بالمثل..».أم تريدين ان تثبتي قوتك وضعفه!
نظرت من نافذة الحافلة. أين أنا؟ لم تتعرف على الشوارع التي تقطعها الحافلة فاسرعت تسأل السائق عن مقصدها. فاجابها بأنه تجاوز المنطقة تلك منذ لحظات «بامكانك ان تنزلي بالموقف القادم وتستقلي حافلة اخرى للعودة..أو تمشين فالمسافة ليست اكثر من موقفي باص».
ابتسمت شاكرة. شعور بالارتياح انتابها وهي تنزل من الحافلة. وعادت تسير.
«فيها صالح» قالتها حين لم يرد على الجرس ..ولكن ماذا لو كان فاقدا للوعي! أو مشرف على الرحيل؟ وماذا ..(عشان قلبي أنا اوفى من الايام).ههههههههههه
اختلطت عليها مشاعر الارتياح من تجنب موقف قد يضاف الى ماعلق بغبار العمر من ندم..مع قلق عليه!
ربما هو راح يتوسل ذليلا (واقول نفسي فدا ذلّك). انظري لخطوك وما أمامك.. هي صفحة وطويتها بعد تردد دام عقوداً. هل نسيت! تراءت لها كلمات كتبتها في دفتر مزقته يوم الرحيل..
طردت الكلمات تلك قبل ان تعود صخرة تلك الايام عثرة في الطريق. وقبل ان تتحول لغيمات تسد عليها منافذ الشمس.. اذهبي تمتعي بهذا اليوم دعي الغيوم تلك تمطر لعلها تغسل ما علق في روحك من خيبات وألآم.
الجو معتدل والشمس تضحك بصخب عبر تلك الوجوه الباسمة والصاخبة. دخلت احدى المقاهي واتخذت مقعداً قريباً من الناقذة. طعم القهوة اعاد لها حلاوة أغانٍ سمعتها واخرى حفظتها. صارت تردد بصوت انطلق مقتحماً ابواباً اغلقتها. ضحكت محرجة من الوجوه التي التفتت لها بين معجب ومستغرب ومتسائل. ثم انحنت على دفترها، رفيقها، لا تدري متى سطرت عليه بعضاً من تلك الغيوم، أين سمعتها أو من أي كتاب نقلتها.
«لعنت ايامي معك..وقلت كان حظ ووعد
وصبرت العمر وفاءاً لذكرى، كان فيها وعد
باحلام للقادمات لعل القدر يعدّل وعد
وسفة على الشباب الراح وياك وما عد
وبقيت اسـقي العمر كذبات واحصد وعد
وذبل بستان العمر وياك،
والحمد لله، بفرﮔاك ورّد وعد