8 آذار في عصر السبايا..!

في مثل هذا اليوم 8 آذار من كل عام تحتفل الأمم التي وصلت لسن التكليف الحضاري، بيوم عيد المرأة العالمي، إذ تقف الأسرة الدولية ومن شتى الرطانات والأزياء إجلالاً للدور الذي لعبته النساء من أجل عالم أفضل. مناسبة تسعى فيها البشرية لتقديم شيء من الاعتذار لنصف المجتمع (النساء) الذي عانى على مدى آلاف السنين من هيمنة وعدوانية الذكور، لأسباب تأريخية واقتصادية واجتماعية تم التطرق إليها في الكثير من الدراسات والمؤلفات الرصينة. هذه المناسبة والتي اهتم بها سكان هذا الوطن القديم مبكرا، انسحبت لتخلي مكانها لمناسبات أخرى تحتفي بعودة المرأة لعصور ما قبل المغفور له كوبرنيكوس، المرأة العراقية التي كانت رائدة في مجال النضال من أجل الحقوق والحريات في المنطقة، والتي توجت مشوارها المشرق ذاك بتقديم أول وزيرة في الحكومات العربية، وبسنّ أفضل قانون للأحوال الشخصية زمن الجمهورية الأولى،وغير القليل من المكتسبات الحضارية في شتى الميادين؛ تعرضت الى أكبر نكبة إنسانية وأخلاقية في التأريخ الحديث؛ ألا وهي عودة القوى والتشريعات التي تبيح سبي النساء والأطفال وعرضهم في أسواق النخاسة، كما جرى في الموصل وعدد غير قليل من المدن والقصبات العراقية المستباحة من عصابات الهمجية والإجرام (داعش).
فضيحة أخلاقية لا مثيل لها وقعت على تضاريس هذا الوطن المنكوب بالعقائد والسرديات والقوافل الغابرة، من دون أن يرف “لأولي الأمر الجدد”، جفن حس أو حياء تجاه هذه الكارثة التي أدمت وجدان وقلوب البشرية جمعاء. الى يومنا هذا ما زال آلاف الأطفال والنساء اليزيديات سبايا وأسرى لدى تلك العصابات الهمجية، هذا الملف المسكوت عنه محلياً، تعاطى معه المجتمع الدولي بنحوٍ مغاير تماماً لمواقفنا المخزية (الرسمية منها والشعبية) حيث الصمت والتضامن المستتر مع ذلك السلوك والممارسات المشينة، لقطّاعات غير قليلة من المحسوبين على العراق وأهله..!
يمر علينا هذا اليوم العالمي (8 آذار) متسللاً من بين خرائبنا المادية والروحية، من دون إثارة أي إزعاج لسدنة الفتح الديمقراطي المبين وحيتان “السيادة الوطنية” والتي لا يدرك كنهها حتى الراسخون في فقه السيادة وكرامة الإنسان. بدلاً من تحول هذه المناسبة العالمية الى نشاط واسع وحافل بكل ما هو مضاد لداعش وعقائده وقيمه المتخلفة وانتهاكاته البشعة لأبسط حقوق الكائن الذي حاولت السماء تكريمه ذات عصر؛ نشاهدهم جميعاً يتظافرون على وأد وطمر مثل هذه المناسبات والتقاليد، بوصفها بدعة وكل بدعة ظلالة لينتهي بها المطاف الى النار وبئس المصير.. إن إعادة الروح لمثل هذه المناسبات والتقاليد الأممية، لا تعني الذيلية والتبعية للغرباء والأجانب، كما تروج وسائل الإعلام والمنابر المهيمنة على المشهد الراهن، بل هي على العكس تماماً، لأن مثل تلك المناسبات والتقاليد لا علاقة لها بإرث “الهويات القاتلة” وكل ما يشرذم سلالات بني آدم، فهي جسور للتواصل الإنساني والرقي في طريق الكرامة والحقوق والحريات. في هذا الزمن الذي شرعت أبوابه لتسلل حثالة المجتمعات والقيم الى مفاصله الحيوية، هؤلاء الذين يستعرضون ذكورتهم المعطوبة أمام المخلوقات الأكثر جمالاً وعطاءً (النساء) نتذكر عبارة ابن عربي الرائعة (كل مكان لا يؤنث لا يعوّل عليه) ووطننا اليوم يئن تحت الهيمنة الفجة للذكور..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة