ستار كريم مظلوم
أرض العراق كانت منذ أقدم العصور وحتى أيامنا هذه معروفة بخصوبة تربتها ووفرة المياه فيها، وبالتالي وفرة إنتاجها الزراعي وتنوع المحاصيل الزراعية، ومن هنا جاء اعتماد سكان العراق على ما تنتجه حقولهم وبساتينهم ليس في مجال التغذية حسب، وإنما في توفير الكثير من الأثاث المنزلي والأدوات الضرورية للحياة اليومية من المواد النباتية التي تتوفر في السهل والجبل والحقل والبستان والهور والبادية.
كانت النخلة، ومنذ أقدم العصور تعطي الكثير ولا تريد من غارسها الا القليل، فهي إضافة الى ثمارها الكثيرة الأصناف وجودتها كمادة غذائية، فإن العراقيين استخدموا جذوعها في تسقيف غرف بيوتهم ومن جريد سعفها صنعوا المقاعد وأسَّرة النوم. وحتى اليوم ومع توفر الأرائك والمقاعد الخشبية الحديثة الصنع، يلذ لبعضنا تزيين إحدى غرف بيته بالكراسي المصنوعة من جريد السعف ليس بسبب العجز المادي ولا رجعية في هذا وإنما هو من قبيل التعلق بموروث شعبي تمتد جذوره إلى المئات الكثيرة من الأعوام، وفي البيوت العراقية حتى الوقت الحاضر نجد الأقفاص المصنوعة من جريد سعف النخيل وبعض تلك الأقفاص تخصص للدجاج وغيرها للطيور بالنسبة لهواة تربية الطيور التي كانوا يتسلون بها وهي تحلق فوق دورهم والدور المجاورة لهم.
وفي خوص السعف عرفت العراقية المكنسة التقليدية المستعملة حتى اليوم، كما عرفت المصيدة المصنوعة من ذلك الجزء من النخلة، هذا إضافة الى ما كنا نصنعه منها من الخوص من أدوات أخرى كانت معروفة حتى سبعينيات القرن الماضي مثل “الزنبيل” و” العلاكة”، ومن أغصان بعض الأشجار والنباتات البرية وسيقان الحنطة والشعير كانوا يصنعون لربات البيوت حصران البردي والقصب.
كما كانوا يصنعون منها الأطباق والسلال والصناديق الصغيرة التي عرفنا الواحد منها باسم “السفط” ويكون كروي الشكل وقد ورد في لغز من الغازهم وهو “سفط على سفط ليلو وأمسفط” ويريدون به فاكهة الرمان وحبوبها, وكانت الأطباق ذات أنواع فمنها التي كانت تستعمل كبديل للصينية, فعليها يتناولون الطعام ومنها الطبق المزفت بالقار بهدف ملء الفراغات حتى لا تنحشر فيها الحبوب , لأنه قد صنع لغرض تنقية الحبوب من الشوائب على صفحته وعليها تعرض رغفان الخبز للبيع, والسلة كانت من الأدوات التي لا يمكن الاستغناء عنها في البيوت فيها يضعون الملابس التي كانت قيد الاستعمال أما التي مضى موسم استعمالها فأنهم يضعونها في الصناديق وكانوا يعّدون للطفل قبل مولده سلة صغيرة خاصة بملابسه وأدواته, وفي كل مطبخ كنا نجد “تختة” اللحم المصنوعة من خشب شجرة التوت ويمتاز بالصلابة فيصمد أمام السكاكين طويلاً وهي موجودة في كل البيوت حتى أيامنا هذه, أما تختة الحمام والمصنوعة على الأغلب من خشب مستورد فقد بدأت تواجه مزاحمة التختات النايلون لها, كما زاحمت الأٍسرة المعدنية الأسرة النباتية والتخوت الخشبية وحلت محلها.
ومن الخشب كنا نصنع صناديق الملابس ومهود الأطفال وكرسي “حِب الماء” ومن الأغصان الطرية صنعنا “الجيرية” التي شربنا بها الماء، وفي شمال العراق أنتجوا الملاعق والمغارف وحتى الصحون من خشب الجوز المتين، كما كنا نعد طبيخنا وخبزنا بالحطب والخشب ومنها حصلنا على الفحم الذي نستدفئ به شتاءً ومن ليف النخل أنتجنا الحبال ومن الليف المستورد قمنا بحياكة “ليف الحمام”.