-1-
قليلون اولئك الذين يترجمون اقوالهم الى أعمال ، ولا ينطلقون الاّ من نفس طاهرة أبيّة ، وشمم ونبل يعكسان الخلق الرفيع .
-2-
وتؤهلهم هذه المواصفات الفذّة لتبوء المكانة العالية في المجتمع والمقترنة بالاعظام والتبجيل والاحترام .
-3 –
ومن هذه الصفوة الشريف الرضي ( محمد بن الحسين ت 406هـ )
وهو الذي تولى نقابة الطالبين ببغداد ، وكان كما وصفوه (عالما فاضلاً وشاعراً مترسلا عفيفاً ، عالي الهمة متدينا )
وقيل عنه :
” انه أَشْعَرَ قُريش “
لأنه مُكثر مُجيد
وهو الذي أختار من خُطّبِ أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) – وهو أمير البلاغة – ورسائِلِهِ وحِكَمِه ما سمّاه ( بنهج البلاغة )
-4-
قال الشريف الرضي :
اشْتَرِ العزَّ بما شئتَ
فما العزُّ بغالي
ليس بالمغبونِ عقلاً
مَنْ شَرَى عِزّاً بِمَالِ
انما يُدّخَرُ المالُ
لحاجاتِ الرجالِ
والفتى مَنْ جعل الأموالَ
أثمانَ المعالي
والأبيات صريحة في الدعوة الى بذل الأموال وانفاقها لتحصيل العزة التي يتوق لها عُشّاق المجد والرفعة .
والسؤال الآن :
هل دعا الشريف الرضي بشعره الى شراء العز بالمال وعمل بمقتضى هذه الدعوة ؟
والجواب :
نعم
لقد اقترنت أقوالُه بأعماله .
اسمع ما قاله أحدُ مادحيه – وكان يسمى الخالع – :
” مدحتُ الرضيَّ بقصيدة ،
فجاءني غلامه بتسعة وأربعين درهماً ، فقلتُ :
لاشك أنَّ الغلام قد خانني ،
فلما كان بعد أيام :
اجتزتُ بسوق العروس فريتُ رجلاً يقول لآخر :
أتشتري هذا الصحن ،
فانه يساوي خمسة دنانير ،
ولقد أُخرج من دار الشريف الرضي ،
فَبيع بتسعة وأربعين درهما ، فعلمتُ أني مدحتُه وهو مضيق فباع الصحن وأنفذ اليّ الثمن “
المنتظم لابن الجوزي ج15 ص 115-116
ومعنى ذلك :
انه لم يكن يملك سيولةً نقدية ليكافئ الشاعر الذي مدحه ، فعمد الى بيع (الصحن ) الذي كان في بيته ليدفع ثمنه الى الشاعر…
وهنا تكمن الأريحية .
-5-
وجاء في سيرته :
انه اشترى في بعض الأيام أوراقا من أمرأة بخمسة دراهم ، فوجد فيما اشتراه جزءً بخط ( ابن مقلة ) فقال للدلال :
أَحْضِرْ المرأة ،
فأحضرها ، فقال :
لقد وجدتُ جزءً بخط ابن مقلة فان أردتِ الجزء فخذيه، وإنْ أردتِ ثمنه فهذه خمسة دراهم، فأَخذَتها ودَعَتْ له وانصرفت .
هذه هي المروءة ،
وهذا هو النبل ،
لقد وجد ضمن الأوراق جزءً كتبه ابن مقلة ولم يأخذه لنفسه بل أخبر المرآة بذلك وخيرّها بين أنَّ تدع الجزءَ له وتقبض ثمنه أو تأخذ الجزء الذي كتبه ابن مقلة .
وهذا هو شأن المتورعين .
وهنا تكمن العظة .
حسين الصدر