هشاشة في إمدادات الطاقة
الصباح الجديد ـ متابعة:
لم يكن الارتفاع القياسي في أسعار الطاقة ليأتي في وقت أسوأ من هذا بالنسبة إلى خطة الاتحاد الأوروبي الطموحة لمكافحة تغير المناخ، حيث شرع الساسة للتو في الحديث عن كيفية تنفيذ الاستراتيجية الأكثر شمولا في العالم لخفض الانبعاثات الكربونية.
وتقول إيوا كروكوسكا الكاتبة الصحافية، في تحليل نشرته وكالة “بلومبيرج” للأنباء، “إن أزمة الطاقة تشكل تهديدا بحدوث زيادة كبيرة في فواتير استهلاك الكهرباء قبل قدوم فصل الشتاء القارس، كما أنها تشكل ضغطا كبيرا على عمالقة صناعة الطاقة”.
وفي الوقت الذي تهرع فيه الحكومات الأوروبية لتخفيف حدة تداعيات زيادة أسعار الطاقة على المستهلكين، تعهدت اليونان، على سبيل المثال، بدعم فواتير الكهرباء، في حين ظهرت تهديدات بحدوث انقطاع في التيار الكهربي في المملكة المتحدة الأسبوع الماضي لتشكل ذكرى حية للهشاشة التي تتسم بها إمدادات الطاقة.
وبالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي، ستشكل الأسعار الباهظة لمثل هذه الخطة الطموحة خيبة أمل أكثر قسوة للناخبين الذين يعانون بالفعل جراء الفواتير الفلكية.
وتشهد أسعار الغاز الطبيعي والطاقة في الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، أكبر ارتفاع لها على الإطلاق، في الوقت الذي تتعافي فيه اقتصادات هذه الدول من تداعيات جائحة كوفيد – 19. وتأتي الزيادة في الطلب في وقت تراجعت فيه إمدادات الغاز من النرويج وروسيا، وتتهم بعض الدول موسكو بالتلاعب.
أما بالنسبة إلى الدول الأوروبية الأقل دخلا ،وأيضا بالنسبة إلى الصناعات كثيفة الطاقة – فسيكون أثر أي عملية انتقالية للطاقة المتجددة موجعا، وسيقع الاتحاد الأوروبي تحت ضغوط لتخفيف حدة الصفعة جراء القفزة الحالية في الأسعار.
وقد بدأت الحكومات الأوروبية، من مدريد إلى أمستردام، اتخاذ خطوات لتخفيف التداعيات المباشرة لأزمة الطاقة والحيلولة دون صدور رد فعل حاد على سياسات خفض الانبعاثات.
وقالت إسبانيا في خطاب للاتحاد الأوروبي يحمل تاريخ 20 أيلول الجاري “إن إجراءات خفض الانبعاثات قد لا تصمد أمام أسعار الكهرباء التعسفية إذا امتدت لفترة طويلة”، مشيرة إلى مظاهرات أصحاب “السترات الصفراء” التي عصفت بفرنسا قبل عامين.
وفرضت أزمة الغاز نفسها بقوة على اجتماع وزراء الطاقة الأوروبيين الأسبوع الماضي، الذي عقد بالأساس لمناقشة مشاريع قوانين تهدف إلى تعزيز دور مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة ترشيد الطاقة.
ويتمتع الاتحاد الأوروبي بصلاحيات محدودة فيما يتعلق بسياسة الطاقة، التي تظل إلى حد بعيد في متناول الدول الأعضاء. وتعهدت المفوضية الأوروبية بأن تنشر خلال الأسابيع المقبلة، الخطوط الاسترشادية الخاصة بالأدوات التي تستطيع الدول الأعضاء توظيفها على المدى القصير، فيما يتعلق بقانون الاتحاد الأوروبي. وتتضمن الاختيارات المتاحة، خفض ضريبة القيمة المضافة، والضرائب على الطاقة.
وفي اليونان، تعهد كرياكوس ميتسوتاكيس رئيس الوزراء في وقت سابق بضمان تقديم دعم للمستهلكين خلال الربع الأخير من العام لجميع الأسر بهدف تغطية الجزء الأكبر من الزيادة المتوقعة في فواتير الكهرباء. كما أعلن خفض قيمة الضريبة على المبيعات حتى حزيران 2022، على البن والمواصلات والمشروبات، ودور السينما، وصالات اللياقة البدنية، وحزم الرحلات السياحية.
وقامت هولندا بتعديل الموازنة لتشمل 500 مليون يورو “585 مليون دولار” من أجل خفض تكاليف الطاقة على الشركات والأُسر. وستفرض إسبانيا ضريبة لم تكن متوقعة على مرافق الطاقة، وستضع سقفا لفواتير استهلاك الكهرباء، وهي خطوات يرى معارضون أن من شأنها الحد من الاستثمارات في مصادر الطاقة المتجددة.
ويقول جون ماسك، المحلل في بنك “آر بي سي يوروب ليمتد”، “يبدو من غير المحتمل أن يعكس الساسة المسار ليعودوا إلى توليد الطاقة باستخدام الفحم، أو إدخال تعديلات على نهج التعامل مع الكربون.. من الصعب تحديد الإجراءت التي يمكن تبنيها لتخفيف قيود العرض والطلب على الغاز والكهرباء في المدى القريب”.
وتختتم كروكوسكا تحليلها بالقول “إن أكبر مستهلكي الطاقة في مجال الصناعة يواجهون خطر التعرض للآثار المباشرة لارتفاع الأسعار، وقد أعلنت شركة “نيرستار إن في” لإنتاج الزنك يوم الخميس الماضي خفض الإنتاج في مصنع رئيس لها في الدنمارك خلال ساعات الذروة اليومية.
وبالنسبة إلى منتجي الألمنيوم في أوروبا، قد تصل تكاليف الكهرباء إلى نحو 80 في المائة من السعر الكلي للمنتج، بحسب ما ذكرته وكالة “يوروميتوكس”، التي تمثل منتجي المعادن في القارة، لكادري سيمسون مفوض الاتحاد الأوروبي لشؤون الطاقة، ودعت إلى مزيد من الدعم للقطاع.