الصباح الجديد – وكالات:
ضجت محافظة ذي قار بالأخبار التي تواردت خلال اليوم الأول من عيد الأضحى بشأن المواجهة العشائرية المسلحة التي جرت في قضاء النصر شمالي المحافظة، والتي أدت إلى وقوع ستة ضحايا، قتيلان وأربعة جرحى.
ونشأت المواجهة بسبب خلاف يتعلق بـ «النهوة العشائرية»، التي أدت لمواجهة بالسلاح بين عائلتين، ما لبث أن تحول إلى مواجهات موسعة في شتى مناطق القضاء، استُعملت فيها أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
وقال شهود عيان إن فرعين من عشيرة «آل حاتم»، وبسبب كسر أحداها لعُرف «النهوة العشائرية» المطبقة على إحدى بنات الفرع الآخر من العشيرة، أدى لاندلاع هذه المواجهة، حيث تدخلت قوات الأمن مباشرة، إلا أن توسع رقعة المواجهة، دفعت السلطات الأمنية للانسحاب، ومطالبة الزعامات العشائرية والدينية التدخل لدى زعماء العشيرة لدى الطرفين، لمطالبتها بإيقاف المواجهة المسلحة.
و»النهوة العشائرية» واحدة من العادات الاجتماعية العشائرية القديمة، التي ما تزال مطبقة في الكثير من مناطق العراق، وفي المدن والأرياف على حد سواء.
وعلى وفق هذه العادة تقوم عائلة أو فرع من العشيرة بـ»نهي» فتاة ما مقربة عائليا من الزواج بغير شخص تقوم هي باختياره لها، وفي حال رفضها للزواج منه فإنها غالبا ما تُجبر على ذلك، وفي أحيان قليلة حينما لا يقوم الاهل باجبارها، فإن العائلة أو فرع العشيرة تمنع الفتاة من الزواج من غير الشخص المُعين.
وفي حال كسر أحد ما لذلك التحريم، سواء أكانت الفتاة أو عائلة غريبة تقدمت للزواج منها، فإن الأمر يؤدي عادة لوقوع مواجهات مسلحة بين الطرفين.
وشرح الناشط العراقي بندر السبعاوي، وأحد أبناء منطقة ذي قار، الظروف التي تؤدي لاستمرار هذه العادة في منطقته: «فعليا، فإن العشائر هي الحاكم الفعلي لأرياف وحتى بعض بلدات محافظة ذي قار، فالسلطات الشرعية نفسها، الأمنية والقضائية وحتى الإدارية، تلجأ في مرات لا تحصى إلى تلك العشائر لتيسير الحياة العامة، ما يمنح تلك السلطات السطوة والنفوذ والقابلية على الاستمرار في فرض أعرافها وقوانينها من دون رادع من أحد. الأمر تضخم خلال السنوات الماضية بسبب المساومة المريعة التي طبقتها الأحزاب السياسية مع تلك العشائر، حيث منحتها كل شيء، مقابل الحصول على أصواتها الانتخابية وكسب ولائها».
وأضاف السبعاوي: «أكبر دليل على ذلك، التناقص الاستثنائي لمثل هذه العادات والأحداث في العاصمة بغداد وإقليم كردستان العراق، بسبب تراجع أدوار وسطوة العشائر فيها، ولنفاذ القانون مقارنة بالمناطق الجنوبية والغربية من العراق».
يعد القانون العراقي الإقدام على أي شكل من «النهوة العشائرية» بمنزلة جريمة يُعاقب مرتكبها بالسجن لمدة قد تصل لثلاثة أعوام.
وتنص المادة التاسعة من القانون 188 الذي صدر خلال العام 1959 على «لا يحق لأي من الأقارب أو الأغيار إكراه أي شخص، ذكرا كان أم أنثى، على الزواج من دون رضاه. ويعد عقد الزواج بالإكراه باطلا إذا لم يجر الدخول. كما لا يحق لأي من الأقارب أو غيرهم منع من كان أهلا للزواج بموجب أحكام هذا القانون من الزواج.. فتكون العقوبة مدة لا تزيد على عشر سنوات أو الحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات».
لكن بعض المعلقين يذكرون بأن هذا القانون لا يُطبق فعليا، إلا في حالات نادرة للغاية في بعض المناطق، فالنهوة العشائرية والعائلية منتشرة في شتى أنحاء العراق، حيث ترصد وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي باستمرار مقاطع مصورة عن مواجهات تجري كل فترة بين أفراد العشائر، تكون أشبه بالحروب الحقيقية، التي تطول أحيانا لأيام كثيرة، بسبب هذه الظاهرة.
الأستاذة الجامعية والباحثة الاجتماعية العراقية ناريمان الوردي، شرحت الأسباب الموضوعية التي تحول دون القضاء على مثل هذه العادة العشائرية في العراق: «كان ذلك القانون قد صدر في زمن كان فيه العراق محكوما من عبد الكريم قاسم، الذي كان يسعى لأن يخلق وقائع اجتماعية وحياتية جديدة في بلاده. لكن ستة عقود من النكوص الاجتماعي والسياسي والأمني بسبب الحروب الخارجية والداخلية ومرحلة الحصار وسيطرة الأحزاب الدينية، خلقت بيئة مناسبة لانتشار مثل هذه العادات».
وبيّنت الوردي أن «السلاح المنتشر بكثافة في كل زاوية من العراق، عامل إضافي، لأنه يزرع إحساسا بالسطوة والقدرة على الإفلات من العقاب، هذا غير الدفع لأن تكون النخوات والمنطق الذكوري هو الأعلى صوتا ضمن أشكال الحياة في البلاد».
جدير بالذكر أن السلطات العراقية تمتنع عن الإعلان عن الأرقام الحقيقية لضحايا النزاعات العشائرية في البلاد، كما أنها لا تقوم بمحاكمة أو معاقبة الفاعلين الأساسيين من زعماء العشائر والعائلات الكبرى في البلاد، المتورطين بهذه الظاهرة.