غادرنا أحمد الربيعي.. غادر من دون وداع أو وصايا.. كل ما هنالك أنه لملم ما تبقى له من حنين الى بغداد، بغداده التي لم يحب مدينة أخرى غيرها، وقفز الى السماء تسبقه روح بريئة وضمير طاهر وصفحة بيضاء خالية من أي ذنوب أو خطايا.
غادر أحمد من دون أن يأخذ أوسمته التي استحقها عن جدارة وصبر ومثابرة، وسام أول كان قد علقه على صدره بعد خروجه سالماً من اتهامات عدي صدام حسين عندما أوشك على الفتك به بسبب رسم لم يستهويه وشم منه رائحة النقد.. وحرم بسببه من العمل في الصحافة إلى أن أفرج عنه بسقوط الدكتاتورية.
أوسمة أخرى بسبب انجازه الكبير وتميزه وخلقه الرفيع لم يستحقها أحد مثله.. خلال السنوات العشر التي عمل فيها ضمن أسرتنا تعرض لحملاتٍ، أكثر من أي فنان آخر.
وعلى الرغم من أن أعماله أغضبت كثيرين، في شكل من أشكال سوء تقدير فنه وطبيعته الجمالية، فإن رسوماته المتنورة والرفيعة كانت، أيضاً، موضع تقدير الكثير من الزعماء العراقيين الذين تناولهم في رسمته الأسبوعية في ملحق زاد.
أعماله التي انجزها تفيض عن معرض واحد أو اثنين، وفيها من الشهادة على ذكاء وفطنة وابداع العراقيين ما يجعلنا نفخر ونرفع رأسنا به.. وسنعمل في الصحيفة على تنظيم أفضل صيغة لعرض تلك الأعمال التي أصبحت، بعد غيابه، الشاهد الحاسم على موهبته وفنونه.
لا يقوى أي انسان يحترم نفسه على نعي صديق أو حبيب أو زميل ورفيق سفر عراقي في مجال الإعلام العراقي الملتهب، لكننا نريد هنا أن نقول لأنفسنا ما نخشى قوله لها في ظروف الحياة الاعتيادية.. انها لحظة تتكثف فيها المرآة وتنغمس الروح بالتأمل الحزين العميق.. إنها لحظة يعكس الزمن واللحظة نفسيهما على كاهل الفرد الفاقد لجزء من خريطة روحه.
أعترف بصعوبة ما يتعين أن أكتب. ولو كان الأمر بيدي لكتبت فقط: اليوم تخلى عنا أحمد لصالح عالمه السماوي.. والأمر ذاته على قبول التعازي أو إقامة مأتم لحبيب وصديق كأحمد.
أقول إن الموت هو الموت، انما ما يتبلور من العاطفة الروحية بأثره وطبيعة الحزن التي يتركه أو يتسبب فيه لا يمكن إلا أن يكون خاصاً. فبكلمات قليلة أقول لأحمد إننا لن ننساك.. ولن تكون “الصباح الجديد” من دونك كما كانت.