كما مرت التجارب القريبة والبعيدة، من دون ان تترك اثراً على مصائر سكان هذا الوطن المنكوب بلعنة فقدان نعمة الأمن والسلام الأهلي، مرت تجربة 4 أعوام من الحكم من دون وزراء للحقائب الامنية (الداخلية والامن والدفاع) بلا أي أثر على متعهدي بناء النظام الديمقراطي فيه.
ومن يتابع نوع التجاذبات بين الكتل المتنفذة في المشهد السياسي الراهن، ونوع المعايير المهيمنة في تحديد مصير مثل هذه المناصب الأشد فتكاً في مرحلتنا الحالية، يدرك نوع المفآجات والكوابيس الاضافية، والتي عليه الاستعداد لاستقبالها قريباً.
ولن نبتعد عن الواقعية والموضوعية، عندما لا نجد في ممثلي جميع الكتل، خاصة حيتانها الشرهة، ما يمكن ان يوحي للأمن والسلم بصلة، فالغالبية العظمى منهم يمثلون بما يعتقدونه من مفاهيم ورؤى وممارسات الضد النوعي لهذه القضية الغائبة بمغزاها الواسع. فالأمن ليس هو البطش بالآخر واستعمال ما توفره الاسواق من تقنيات لاستئصاله، كما توهم من صنع جمهورية الخوف ومن ثم انتشل مذعوراً من جحره الأخير.
الأمن ثقافة وشجاعة لا تحتاج لبوصلة الشوارب وارتعاشاتها البائسة. ومن سوء حظنا جميعاً، اننا اليوم وفي مثل هذه المناخات من الغيبوبة وعجاج الديماغوجيات المتعددة الرطانات والأزياء؛ أبعد ما نكون عن مثل هذه الثقافة والمفاهيم التي انتشلت البشرية من فزعات القوافل المعطوبة بالكراهة والاحقاد والثارات المتبادلة، الثقافة التي اهدت سكان القرية الكونية آخر نتاجات مختبراتها التي ابتدأت بالاسلمة ثم الأخونة لتنتهي بالدعشنة وخليفتها العتيد في ثاني أكبر المدن العراقية (الموصل)..!
البعض امتعض وانزعج من الخيارات التي قدمتها الكتل كمرشحين لتلك الحقائب الخطيرة (الدفاع والداخلية)، لكن كل من يعرف شيئاً عن امكاناتها الواقعية لا الخيالية، سوف يتفق معنا في حقيقة ان القوم قد بذلوا كل ما يستطيعونه في هذا المجال، ولا يمكن ان نلومهم على مثل هذه الخيارات، لانها جزء من بضاعتهم وتمثل طبيعة غاياتهم النهائية في التعاطي مع هموم الوطن والناس، وكما جربناهم لا خلال العقد الأخير من نشاطهم في الشأن العام وحسب بل طوال عقود من نشاطهم كمعارضة للنظام المباد أو ممثلي واجهات متجددة لـ(الفلول).
ان ما يثير هذه القوى ويدفعها للصراع والنزاع لا يمكن ان يفضي لغير المزيد من التشرذم وعدم الاستقرار، وهي بالرغم من كل المآسي والكوارث التي الحقتها بشعوب وقبائل وملل هذا الوطن القديم، لا تجد في نفسها أي استعداد لمراجعة نفسها وتوجهاتها القاتلة التي حولت وطناً من اجمل الاوطان الى ملاذ لاستقطاب كل انواع الكوابيس الطاردة لحلمنا المشروع في الأمن والعيش كباقي الامم التي أكرمتها الأقدار بشرائع لم تعد تطيق احتقار الانسان للانسان.
جمال جصاني