“الشعور بالمسؤولية هي الفضيلة الأهم لأي سياسي محترف” ماكس فيبر
بعد تدخل الأقدار العابرة للمحيطات وازاحتها لما فرضته عصابات الشوارع وحثالة المجتمعات، من هيمنة مطلقة على كل مفاصل الدولة والمجتمع؛ شرعت الابواب لسلالة اخرى من القوارض البشرية كي تجرب حظها مع ما تبقى من حطام ذلك الوطن. مرحلة ابتدأت بانطلاق ماراثون الهرولة صوب ما عرف بـ (المنطقة الخضراء) بوصفها مستوطنة لـ “المسؤولين الجدد” عندما تم فرهدة عقارات الدولة وأسلاب أزلام النظام المباد من دون ادنى وجع من عقل أو ضمير، ولم يمر وقت طويل حتى عجت شوارع بغداد بمواكب لا تعد ولا تحصى لذلك النوع من “المسؤولين” المدججون بأرتال من الحمايات، لم تصل الى عشر معشارها الحمايات الشخصية لأكثر بلدان العالم سكاناً كالهند والصين. هكذا كانت بداية ما يفترض انها مرحلة للعدالة الانتقالية، وانتهت الى ما نحن عليه اليوم من حال لا تحسدنا عليه اكثر المجتمعات والدول عجزاً وفشلاً.
هذا العنوان (المسؤولية) هو صنو الوعي والمواقف الشجاعة وروح الايثار، وهي جميعها بعيدة كل البعد عن غالبية المنتسبين للطبقة السياسية الحالية، ممن وجدوا بالكتل المتنفذة ضالتهم للتسلل لمواقع “المسؤولية” في حقبة هي الأكثر فقداناً للمبادئ والمعايير المهنية والقيمية. ويمكننا تصفح سير الكثير ممن تسلق الى سنام السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وما يسمى بالسلطة الرابعة وغير ذلك من سلطات ما يعرف بـ “الدولة العميقة” وشبكاتها الممتدة لاعماق تفصيلات حياة الدولة والمجتمع؛ حيث بؤس التجربة والمؤهلات والوعي الذي لا يتيح لهم في الظروف الطبيعية من تسنم مناصب أدنى من ذلك بكثير، لكنها الصدفة والفوضى التي لم تنتج شيئاً خلاقاً حتى هذه اللحظة. لن نجافي الموضوعية عندما نضع جميع من يتنطع لها “المسؤولية” في مثل هذه الشروط والمناخات؛ في دائرة الشك بقدراتهم ووعيهم وطبيعة مآربهم في التصدي لها. وقد شاهدنا غير القليل ممن امتشق عباءة الكفاءة والتكنوقراط، وما انتهى اليه من عجز وفشل أو تبعية لفرمانات ومشيئة الحيتان وما يحيط بها من حاشيات وحبربش. مشاهد بائسة ومؤسفة للتبعية والاذلال وعدم التجرأ على اتخاذ أبسط القرارات لما تنطعوا اليه من شؤون وواجبات.
قد يتسائل البعض عن علل كل هذا التدافع لعمل شاق وخطر ويتطلب الكثير من الخبرات والمهارات (المسؤولية) ومن قبل مجتمع ادمن على غير ذلك تماماً (اذا قال فلان قال العراق)؟ جواب ذلك سيجده فيما سينتظر المسؤول الفاشل والفاسد من حماية واعادة تأهيل لمواقع اخرى، بدلاً من وضعه خلف القضبان كما في البلدان التي وصلت لسن المسؤولية وخدمة الشان العام. خلف كل هذه الجرأة في التصدي لكل ما يتاح لهم من مناصب ومسؤوليات؛ مناخات ومنظومة قيم وجماعات وعقائد ومعايير كفيلة بسحق كل من تسول له نفسه بالاقتراب من اقطاعيات ما بعد الفتح الديمقراطي المبين. ومما يحز بالقلب والعقل ان جميع المؤشرات والتقارير المهنية والبيانات والمعطيات العلمية، تشير الى نشوء وضع معقد من المصالح يستعصي على الاصلاح والتغيير، وما النهايات السريعة للعنتريات التي امتشقت ذلك (الاصلاح والتغيير) الا دليل واضح، على الامكانات المحدودة والضحلة لنا في هذا الميدان، الذي ما زال ينتظر أجيالاً جديدة قادرة على التحكم بسيقانها وقرارها عند منعطف الولائم وفرهدة المواقع والفرص..!
جمال جصاني
يا لجرأتكم على المسؤولية..!
التعليقات مغلقة