يوم الأربعاء 26/12/2018 زار الرئيس ترامب قواته المستقرة في قاعدة عين الاسد العسكرية في الأنبار، وهي زيارة تقليدية يشارك فيها الرؤساء الاميركيون قواتهم المتواجدة خارج البلاد، احتفالاتهم بمناسبة اعياد الميلاد ورأس السنة. هذه الزيارة تحولت في العراق وبهمة كتل البرلمان الكبيرة والقوى المتنفذة في المشهد الراهن وجيوش جرارة من المتسللين لوسائل الاعلام، الى ذريعة لاستعراض الاحتياطات الهائلة من مخزونات “السيادة الوطنية” والتي عرضتها تلك الزيارة الى انتهاكات واهانة لا مثيل لها في قاموس العلاقات بين الدول..؟! ووصل الامر بعدد من النواب العراقيين لطلب عقد جلسة طارئة للبرلمان يتم فيها تحرير تراب الوطن من وجود تلك القوات والتي شكلت مبرراً لتلك الزيارة المارقة، ليس هذا وحسب بل تناقلت وسائل الاعلام خبر اطلاق عدة قذائف صاروخية باتجاه سفارة الولايات المتحدة ردأ على ما جرى في عين الأسد.
طبعا لست بصدد اضافة المزيد من الاكتشافات عن شخصية السيد ترامب، والتي غاص في تفاصيلها عدد غير قليل من أشاوس السياسة والاعلام الحاليين المهووسين بالخوض بكلشي وكلاشي، لأن أهل نيويورك أدرى بمثل هذه العلوم والمدارس الحديثة. لذلك سأعود لما هو من شاننا في هذا الموضوع، الا وهو قميص عثمان مرحلة ما بعد انتشال آخر القوارض من جحره الأخير؛ أي السيادة الوطنية تلك “القلعة الحصينة” التي قوضتها زيارة ترامب الأخيرة لقاعدة عين الأسد العسكرية.
الاكثر راديكالية وانفعالاً في الموقف من مثل هذه الزيارات، لم يخفوا مآثرهم في استرداد السيادة الوطنية نهاية العام 2011 وما تمخض عنها، من عواقب وخيمة وقعت جميعها براس الملايين من أولاد الخايبة، وهم وبدلا من الاعتذار واعادة النظر بمثل تلك الحماقات غير المدروسة والبعيدة عن الحكمة والمسؤولية، نجدهم يضعونها بخانة قادسياتهم وفتوحاتهم الاسطورية على طريق “وا سيادتاه”.
غير المسكونون بخطابات الرسائل الخالدة، لن يجدوا صعوبة في التعاطي مع مثل هذه الزيارات بشكل بعيد عن كل هذا الصخب والعجاج، وبوصفها امتداد لزيارات سابقة ومماثلة تمت في عهد رؤساء آخرين وبعلم الحكومة العراقية، وهذا ما أكده مكتب السيد عادل عبد المهدي ببيان واضح. كما ان وجود القوات التي زارها السيد ترامب موجودة بطلب من الحكومة العراقية السابقة، لمواجهة خطر عصابات داعش بعد احتلالها لثلث الاراضي العراقية، وقد ساهمت بشكل نوعي وكبير في هزيمة تلك العصابات، وهذا يستدعي مواقف وردود أفعال واثقة ومتزنة وحوارات مسؤولة حول ضرورة وجودها من عدمه، لا المزيد من العنتريات والفزعات والثورويات التي انتهت صلاحيتها منذ زمن بعيد. لن نكشف سراً عندما نضع هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة على رأس العلل والاسباب التي تحجب عن العراقيين امكانية تحقيق سيادتهم الفعلية لا الاستعراضية، وكما حصل لنا برفقة ذلك الكائن الخرافي الذي توهم ان اسمه كفيل بهز أميركا ومن فيها، لتنتهي بنا سياساته ومغامراته الى ما نحن عليه من بؤس وفقر (مادي وقيمي) وتشرذم ومتاهات، يصر فرسان حقبة الفتح الديمقراطي المبين على المضي قدماً لبث الرعب والخوف في قلوب الاعداء، وصولاً الى ردهات البيت الأبيض ومن فيه. واخيرا ورحمة بما تبقى للأجيال المقبلة من آمال وامكانات شحيحة، ندعوكم للكف عن اعادة تدوير مثل هذه الصولات الفاشوشية، والالتفات الى التحديات الواقعية التي تؤسس للسيادة والكرامة والحقوق والحريات…
جمال جصاني
وا سيادتاه..!
التعليقات مغلقة