على العكس من النتائج التي حققها الدكتور حيدر العبادي خلال توليه للموقع التنفيذي الاول في الحكومة العراقية، وفي ظرف استثنائي في تاريخ الدولة والمجتمع العراقيين (2014-2018) والذي جعلت منه ومن دون منافس كأفضل شخصية تولت هذا المنصب الرفيع لمرحلة ما بعد زوال النظام المباد؛ الا ان ما حصده هو والقائمة التي ترأسها (النصر) كانت متنافرة والتوقعات التي رسمت له مكانة ودورا ينسجم وذلك المشوار الذي نجح في التصدي لاغلب ملفاته المعقدة. ليس هناك شك من ان السيد العبادي كان ومازال محاطاً بالكثير من المناخات والشروط المعيقة، وعلى رأسها من دون شك عجزه عن التحرر من شرنقته الحزبية والعقائدية الضيقة، والتي اثقلته بعدد غير قليل من الاسماء والشخصيات المحترقة شعبياً، لتتصدر قائمته الانتخابية، مما ارسل رسالة سيئة لقطاعات واسعة كانت تنتظر منه مشروعا وبديلا يتخفف من هذا الارث الضار، كما ان الدوائر المتربصة به محليا واقليميا ودوليا، قد دبرت له وبشكل مبكر حملة لتسقيط وفضح بعض المخلوقات التي تسللت الى قائمته التي تشكلت على اسوأ ما يمكن ان تكون عليه القوائم الانتخابية، وقد اكتشف العبادي بعد فوات الاوان هشاشتها بعد الانسحابات المبرمجة لعدد من الشخصيات التي شفطت اصوات جمهوره لتنتقل بها الى رصيد الكتل المنافسه (الفياض ومحافظ البصرة على سبيل المثال لا الحصر) والتي جرت متناغمة مع تصاعد احداث، اقصت العبادي عن التوقعات التي رجحت حصوله على فرصة ثانية لقيادة الحكومة الجديدة.
هذا العجز والفشل الذي مر به السيد العبادي عشية الانتخابات وبعدها، اي عدم تمكنه من تقديم مشروع وطني وحضاري عابر لـ “الهويات القاتلة” وكياناتها وكتلها واجنحتها القاتلة، لا يعود لخصال خاصة بشخصية العبادي ومؤهلاته الفردية فقط، بل ان الكثير منها يعود لاسباب موضوعية كفيلة باجهاض اية محاولة تفكر بالمروق صوب ذلك المشروع المهجور منذ عقود. لكن من المفترض به (العبادي) وقد عاش وشاهد ما جرى من احداث وانعطافات؛ انه الآن على بينة من الحصاد المر الذي يأتي مع مثل هذه الكيانات والاصطفافات والدقلات المفاجئة. هو اليوم عند مفترق طرق جديد، عليه ان يحسم امره فيه؛ أما ان يلتفت مجددا الى الوراء ليعود منكسرا الى شرنقته الحزبية (الدعوة) أو يذهب بتجربته العملية المهمة ودروسها الى حيث المستقبل والمشروع الوطني والحضاري الذي لم يولد بعد، حيث تشير بعض المعلومات الى امكانية استقالته من حزب الدعوة الاسلامي، وهذا ما لمحت اليه تصريحاته الاخيرة حول دور ومنهاج كتلته الانتخابية التي احرزت المرتبة الثالثة بعد سائرون والفتح اي (النصر) حيث قال: “ان مشروعه يعمل لخلق القوة الثالثة، التي تعبر عن الطبقة التي لا تحد نفسها بالكتل الطائفية والعرقية” اي “مشروع لشرائح الطبقة الوسطى والمثقفة والمدنية” انه “مشروع يعنى بالمواطنة والديمقراطية والتنمية والبناء السليم للدولة…”.
مثل هذا المشروع الذي يضع نصب عينيه امتلاك الدولة الحديثة وتشريعاتها ومؤسساتها وتنظيماتها التي تجعل منا مواطنين متساوين في الحقوق من دون تمييز على اساس السلالة والرطانة والهلوسات والاعتقاد، هو اليوم وفي كل مكان مهوى قلوب غالبية عيال الله، الا ان سيوف وبنادق وترسانات الجماعات والكتل المنحدرة الينا من مغارات التاريخ وثاراته الصدئة، ستكون بالمرصاد لكل خطوة جادة تفكر بشق الطريق اليه. لذلك سيفكر العبادي طويلا قبل التورط بمثل هذه الخيارات الصعبة والمؤلمة..
جمال جصاني
العبادي.. مشروع ورهانات
التعليقات مغلقة